الآن وقد مضى سبعة أشهر على إصدار ديوان الرقابة المالية لتقريره (2012-2013)، وبعد أن أرعد النواب وازبدوا وهددوا وتوعدوا أن يتصدوا للفساد ويحيلوا المفسدين في الوزارات والهيئات والشركات الحكومية للنيابة العامة، وبعد أن شاركوا في تمثيل مسرحية كوميدية عنوانها (استجواب وزير المالية) انتهت بسقوط ذلك الاستجواب، وإسدال الستار على علاقة النواب بتقرير ديوان الرقابة، فمن الأفضل والمفيد إعادة رفع الستارة من جديد وتذكير النواب بالذي جرى «لعل الذكرى تنفع المؤمنين». على الرغم من تحرك الحكومة المبكر والمتميز لاحتواء ومعالجة ما ورد في ذلك التقرير بشأن وزاراتها وهيئاتها وشركاتها، ووقوف النواب لفترة مستغربين ومتعجبين ومعجبين بالتحرك الحكومي المفاجئ، إلا أنهم وقد استقبلوا التقرير بالتصريحات النارية أبوا على أنفسهم إلا أن يكون لهم دور فعال في التصدي للمخالفات والتجاوزات وشبهات الفساد التي وردت فيه، فدورهم ومسؤوليتهم كمثلين للشعب الذي انتخبهم وحملهم أمانة الدفاع عن مصالحه، والمحافظة على المال العام، والتصدي للمفسدين المعتدين عليه، هذه المسؤولية تحتم عليهم التدخل السريع والقوي. وهكذا كان فبعد ثلاثة أشهر ونصف على صدور التقرير، واجتماعات مكثفة من اللجنة المالية والاقتصادية بالمجلس أصدرت هذه اللجنة تقريراً بتاريخ 17 يناير 2014 فيما يلي أهم النقاط التي وردت فيه:1. أوصت اللجنة باستجواب وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة لفشله في القيام بواجباته واختصاصاته التي أوجبها الدستور وقانون الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي أدى الى تكرار المخالفات المالية الجسيمة في أعمال الوزارات والجهات الحكومية المختلفة والشركات التابعة للحكومة. 2. كما أوصت اللجنة بتشكيل لجان تحقيق في مخالفات وتجاوزات ثلاث جهات هي وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني فيما يتعلق بإدارة مجمع سترة التجاري وضياع إيرادات المجمع لمدة تزيد عن 6 سنوات، وعدم تحصيل مبالغ الانتفاع من منتزه عذاري والبالغة 409 آلاف دينار، كذلك عدم تنفيذ أحكام الإزالة بالنسبة لبلديات الجنوبية والوسطى المحرق. 3. تشكيل لجنة تحقيق مع وزارة الإسكان لارتكابها عدداً من المخالفات مثل استخدام موازنات المشاريع الإسكانية لتمويل مصروفات متكررة تخص القوى العاملة، واستخدام نفس الموازنة لتنفيذ أعمال لاتخصها، لجوء الوزارة إلى تنفيذ عدة أعمال بواسطة أوامر تنفيذية، استبعاد الوزارة بعض المشاركين في مناقصات المشاريع الإسكانية. 4. أما الجهة الثالثة التي أكدت اللجنة ضرورة تشكيل لجنة التحقيق بشأن مخالفاتها فكانت شركة البحرين لمطاحن الدقيق وذلك لما ورد في تقرير الرقابة المالية فيما يتعلق بتوزيع منتوجات الشركة وحصره في أحد الموزعين، وجود ضعف في آلية صرف الطحين، عدم حصول الشركة على الشهادات الطبية من مورد العمال.وغير ذلك فقد أوصت اللجنة بتوجيه أسئلة إلى 13 جهة بشأن المخالفات الواردة بشأنها، وطالبت النواب بضرورة قيامهم باستخدام الأدوات الرقابية المقررة بموجب الدستور واللائحة الداخلية للمجلس وذلك في مواجهة كل مسؤول أمام المجلس التشريعي بحكم موقعه الوزاري ومسؤوليته السياسية عن كل ما يتبعه من جهات وأجهزة حكومية صارت متورطة بهذا الكم الهائل من المخالفات المتكررة التي تنوعت بين المالي والإداري بل والجنائي في بعض الأحيان. ولفتت اللجنة المالية إلى ضرورة قيام مجلس النواب بوصفه أحد الأشخاص المعنوية إبلاغ النيابة العامة عن المخالفات التي وردت في تقرير الرقابة المالية والتي يرى فيها شبهة جنائية في المال العام والعمل على حفظه وصيانته من أي هدر أو اعتداء. حزمة من المهمات الكبيرة التي أخذ مجلس النواب مسؤولية تنفيذها على عاتقه، وتعامل معها بحماس وجدية لا مثيل لهما، وكان ذلك في شهر يناير الماضي، لكنه مع مرور الوقت وبحلول شهر مارس اكتشف بعض الأعضاء أنهم لم يحققوا من توصيات اللجنة المالية المذكورة أي شيء، وذلك مقابل الحكومة التي أحالت 25 قضية فساد إلى إدارة مكافحة الفساد بوزارة الداخلية وإلى النيابة العامة، أما هم فلم يستجوبوا ولم يشكلوا لجان تحقيق ولم يوجهوا أسئلة لأحد. عندها جاء تحرك البعض من أجل تنفيذ التعهد الأول وهو استجواب وزير المالية، وحدث تهرب وتناصل الموقعين على الاستجواب ثم تمزيق ورقة الأسماء، ثم التصويت الضعيف والإحالة لدائرة الإفتاء وبعده سقوط الاستجواب والتحرك الوحيد. وبالطبع هذا الإخفاق من جانب النواب في عدم تنفيذهم لتوصيات اللجنة المالية يعتبر فضيحة بالنسبة لمجلس تحدث أعضاؤه بحماس عن «رقابة التصرف في المال العام والعمل على حفظه وصيانته»، لكنه ليس كذلك في الشهرين الأخيرين من عمر المجلس الحالي والدخول في مرحلة انتخابية جديدة. فالنواب في هذه الفترة يفاضلون بين التركيز على المال العام أو المال الخاص المتنامي بإعادة الانتخاب، لكن حسابات الناخبين يجب أن تكون مختلفة عن حسابات النواب عندما يتوجهون غداً لاختيار كفاءات نيابية جديدة لا تساوم على المال العام ولاتقبل أن تخرج من المولد بلا حمص.