اعتدنا منذ منتصف أربعينات القرن العشرين على ظهور العديد من المنظمات الإقليمية في العالم العربي، وكلها كان الهدف منها «لم الشمل، وتحقيق الوحدة العربية، وتعزيز التكامل العربي ـ العربي.. إلخ»، ولكن العامل الرئيس الذي حكم هذا النشاط هو الأيديولوجيا، فعندما كانت التيارات القومية في ذروتها كانت أنشطة هذه المنظمات تركز على كيفية تعزيز الوحدة العربية، وحماية الهوية القومية. وعندما كانت التيارات الإسلامية في ذروتها تبرز أنشطة المنظمات الإسلامية من أجل «تعزيز التعاون الإسلامي وحفظ مصالح الأمة الإسلامية».رغم كثرة المنظمات العربية والإسلامية، إلا أنه لم تكن المصالح المشتركة هي المحرك الأساس لهذه المنظمات، بل كانت الأيديولوجيا هي الحكم الرئيس لتحديد وتشكيل طبيعة أنشطة هذه المنظمات. بعد 31 عاماً من الآن سيحتفل العرب بمرور قرن كامل على جامعة الدول العربية، ورغم مرور قرابة 70 عاماً على هذه المنظمة العربية الرئيسة إلا أن مصداقيتها شعبياً مازالت دون الطموح، ومازالت العناوين التقليدية تنتشر في الصحافة العربية «انعقاد القمة العربية وسط خلافات كبيرة» هي العناوين التي تتزامن مع تغطية القمم العربية. تغيرت النخب العربية الحاكمة، وتغير شكل الوطن العربي، وتغيرت اتجاهات الرأي العام العربي، ومازالت المنظمات العربية تتحدث عن تطوير التعاون العربي ـ العربي، وتعزيز التكامل العربي ـ العربي، ولم تواكب جميع هذه التطورات، ويكفي عجز المنظمة عن مواجهة الحروب العربية ـ العربية طوال العقود الماضية. واللافت هنا أن المنظمات العربية لا تحكمها الآن سوى الصراع على النفوذ العربي لا أكثر، ولا تحكمها المصالح وهي التي يفترض أن تسود وتحكم العلاقات بين الدول الأطراف. الدول العربية اليوم ليست بحاجة لمنظمات عربية «شكلية»، وإنما هي بحاجة لآليات وتحالفات قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة بعيداً عن البيروقراطيات التقليدية، والأهم من ذلك تحويل المنظمات العربية لرعاية وحماية المصالح وتطويرها، بالإضافة إلى ضمان إبعاد هذه المنظمات عن الصراعات القائمة حول النفوذ العربي في منطقة الشرق الأوسط، علماً بأنها صراعات أطرافها دول عربية وليست أجنبية!كما عاشت الدول العربية مرحلة التنظيم السياسي الإقليمي، فإنها بحاجة لأن تعيش مرحلة أخرى مختلفة بلا تنظيم سياسي إقليمي قد يساعدها على إدراك أهمية التحالفات التي يبدو أنها أهم بكثير الآن من التنظيمات السياسية الإقليمية، فالتنظيمات لم تقم على المصالح، ولكن التحالفات بالضرورة من الممكن أن تقوم على المصالح.
Opinion
عصر جديد بلا منظمات عربية
26 مارس 2014