إحدى الوزارات قبل فترة أقامت مؤتمراً دولياً في فندق من الفنادق، ولكنها فوجئت أن حضور المؤتمر كان قليلاً جداً رغم أن أعداد المشاركين المسجلين للمؤتمر كان كبيراً. مدير العلاقات العامة المشرف على المؤتمر حاول التعرف على السبب ولكنه اكتشف لاحقاً أن فترة انعقاد المؤتمر تتزامن مع إقامة مؤتمر دولي كبير، بالإضافة إلى فعاليتين رئيستين لمؤسسات حكومية أخرى!مؤسسة حكومية أرسلت خبراً حول فعالية مشتركة مع وزارة أخرى، ولكنها فوجئت في اليوم التالي أن خبرها لم تنشره أي صحيفة في البحرين. وبعد التعرف على السبب اتضح أن المؤسسة أرسلت خبراً، والوزارة أرسلت خبراً، وكلا الخبرين مختلفين في المضمون والشكل، فاضطرت جميع الصحف لعدم نشر الخبر نتيجة ضعف التنسيق!معظم الصحف تتلقى يومياً عشرات الشكاوى وقليلاً من المقترحات متعلقة بالعمل الحكومي، وتحاول نشر معظمها، ولكن نسبة التجاوب من مؤسسات القطاع العام دائماً ما تكون محدودة، وفي أوقات كثيرة تكون من أجل احتواء المشكلة، أو السعي نحو إخمادها!هذه مجرد نماذج لمواقف سريعة شهدتها العلاقات بين الحكومة والصحافة خلال الفترة الماضية، ومن خلالها يمكن التعرف على أزمة الاتصال الداخلي في الحكومة، وهي أزمة في أبعادها تضارب وتنافس وصراعات لا تنتهي. هذا هو الواقع للأسف الشديد الذي لا يمكن تجاهله أو إنكاره، ولكن الأهم منه أن هناك رغبة حقيقية لدى الحكومة في معالجة أزمة الاتصال الداخلي بأي شكل من الأشكال وبأي طريقة كانت حتى وإن كانت هناك تجارب قد تنتهي بالفشل. من التحديات التي تواجهها الحكومة منذ فترة طويلة تحدي الاتصال الداخلي الحكومي، ونقصد به كافة الأنشطة الاتصالية التي يمكن أن تزيد من فاعلية العمل الحكومي وإنتاجيته عبر قنوات اتصالية فعّالة قادرة على إيصال الرسائل الإعلامية بشكل مزدوج بين الأفراد بعضهم بعضاً، وبين المؤسسات بعضها بعضاً، وبين الطرفين من ناحية أخرى. قد يكون من تراث الوزارات والمؤسسات الحكومية منذ سبعينات القرن العشرين الصناديــق الخشبيــة التــي تحولـــت إلـــى بلاستيكية وبعضها إلى معدنية بمرور الوقت، وهي صناديق مخصصة للشكاوى والاقتراحات. وغالباً ما كانت هذه الصناديق محل إهمال من المسؤولين والجهات المختصة بمتابعة مثل هذه الشكاوى للأسف الشديد. ولكن اليوم نحن أمام ثقافة حكومية جديدة، ثقافة تسعى إلى تفعيل فكرة الشراكة التي يجب أن يقوم عليها الاتصال الحكومي، فدور الموظف أو المواطن دور مهم يجب احترامه قبل أن تتاح له الفرصة للظهور. فالمطلوب اليوم ليس مجرد استلام مقترحات أو شكاوى، بل المطلوب العمل على معالجة هذه المشكلات، والسعي الجاد للاستفادة من المقترحات لتطوير الأداء الحكومي. من اللافت أن سمو ولي العهد وجه لأن يكون هناك إطار زمني للنظام الوطني للمقترحات والشكاوى، وهو ما يعكس جدية لافتة جاءت بعد تحديد سموه إطاراً زمنياً لكافة الوزارات والمؤسسات الحكومية للرد على تقرير ديوان الرقابة المالية ديسمبر الماضي. وهو ما نخرج منه بأن هناك توجهاً جديداً لربط العمل الحكومي بأطر زمنية تتيح المساءلة والمحاسبة والمتابعة. وقد تكون فكرة نشر الشكاوى والمقترحات ضمن مبدأ الشفافية فكرة مناسبة إذا كانت مجدية حتى يتعرف الرأي العام على الجاد والمقصّر. المطلـــوب مـــن الــــوزارات والمؤسســــات الحكومية أن تستوعب المستجدات في العمل الحكومي، وأن تتفاعل مع هذا النهج، لا أن تراقبه وتتابعه وتصدر تصريحات إعلامية هنا وهناك من أجل الاستهلاك الإعلامي، فزمن المجاملات انتهــى، وحـــان وقت العمل.