لا أدري إذا ما كان مجلس النواب قد ناقش مشروع هذا القانون من قبل والذي ناقشه وأقره مجلس الشورى أواخر الشهر الماضي، وأعني به «مشروع قانون بشأن حماية معلومات ووثائق الدولة، المرافق للمرسوم الملكي رقم «118» لسنة 2011».لكن الملاحظ مما سبق أن مشروع القانون وضع في عام 2011، وأنه قدم للمجلس في 2014، دون أن يوضح أحد أين كان المشروع طوال هذه المدة، ولماذا قدم اليوم ولم يقدم قبل ذلك، هل انتفت الحاجة إليه في ذلك الوقت؟الملاحظة الثانية أن المرسوم بقانون حدد في نهايته «مدة ستة شهور للجهات المعنية لإصدار اللوائح وفهرست الوثائق بحسب سريتها مع مراعاة تنظيم هذه الوثائق في عدد من الجهات»، أي أن مشروع القانون والذين وضعوه وأولئك الذين ناقشوه لا يدرون حتى الآن المعلومات والوثائق التي ترى الدولة أن تصنفها في خانة السرية، وبالتالي تمنع تداولها، وأن الجهات المعنية في الدولة سوف تعمل بعد ستة شهور من صدور القانون على إصدار اللوائح وفهرست الوثائق بحسب سريتها، وإصدار القرارات التي تحدد المعلومات والوثائق المحمية طبقاً لأحكامه، مع تحديد مدة انتهاء صفة السرية عنها، وإجراءات حفظها بعد زوال هذه الصفة، وذلك بالتنسيق مع الجهاز المركزي للمعلومات. مرة أخرى فقد تطرقت المادة الأولى من القانون إلى المعلومات والوثائق التي يعنيها، حيث عرفها بما يلي: «أية معلومة شفوية أو مكتوبة أو مطبوعة أو مختزلة أو مصورة أو مخزنة إلكترونياً أو بأية طريقة أو صور أو أفلام أو رسوم أو خرائط أو غيرها من وسائل التسجيل المكتوبة والمسموعة والمرئية التي تتداولها سلطات الدولة ومؤسساتها وهيئاتها وأجهزتها المختلفة والأشخاص الاعتبارية العامة». هذه المادة كما رأينا حددت الوسائل التي بها يتم تداول المعلومات والوثائق، لكنها لم تبين المجالات التي تختص بهذه المعلومات والوثائق، والتي يحظر تداول معلوماتها، ويحميها هذا القانون من إفشاء سريتها، وبالتالي يعرف العموم أن هذه الدوائر والمجالات معلوماتها سرية، والدوائر والمجالات الأخرى في الدولة معلوماتها ووثائقها غير سرية. وأن هذا التفريق بين المعلومات التي تدخل في نطاق السرية، وتلك التي لا يشملها هذا النطاق، من شأنه أن يوضح الصورة التي تركها هذا القانون تعوم في بحر من الضبابية، وأن يرسم للمسؤولين الذين ذكروا في المادة الخامسة الطريق الصحيح الذي عليهم أن يسلكوه لتحاشي «إفشاء أية معلومة أو وثائق محمية بموجب هذا القانون إذا اطلع أو حصل عليها أو حازها أو وصلت إلى علمه بحكم مسؤوليته أو وظيفته». وكذلك حظرت على المسؤولين الذين انتهت خدمتهم «لأي سبب إفشاء أية معلومات أو وثائق حصل عليها أو وصلت إلى علمه وكان إفشاؤها محظوراً وفق أحكام هذا القانون»، وعدم تحديد هذا القانون للمعلومات والوثائق التي تشملها السرية -وهو حق مشروع للدولة- يثير أكثر من تخوف، أولها هو أن يدفع المسؤولون الكبار والصغار منهم على وجه السواء على صد أي طلب للحصول على معلومات تتعلق بدائرته أو وزارته أو عمله بحجة أنها محظورة، حماية لنفسه، وبشكل استباقي من المساءلة عندما يظنها المسؤول الأعلى منه أنها محظورة. والتخوف الآخر هو أن هذا القانون إذا ظل مبهماً بالدرجة التي صدر بها من شأنه أن يعيدنا إلى الفترة -الثمانينات والتسعينات- التي كنا نعاني فيها من شح المعلومات، إن لم نقل ندرتها في كل المجالات تقريباً وعلى رأسها المجال الاقتصادي، والتي كان المسؤولون يرددون فيها على الدوام المثل الذي يقول «ابعد عن الشر وغني له»، وهو مثل يمنع حرية تداول المعلومات من أي نوع وأي مستوى.وكما أسلفت من قبل فإنه من حق الدولة أن تصدر قانوناً تحمي به سرية معلوماتها ووثائقها المتعلقة بالدفاع والأمن القومي، لكن من واجب الدولة أيضاً، ومن مسؤولية مجلس النواب ومجلس الشورى أن يعملوا على إصدار قانون آخر هو قانون حق الاطلاع، والذي مازلنا نطالب به كاقتصاديين وكإعلاميين منذ بداية المشروع الإصلاحي. فقانون حق الاطلاع يلزم المسؤول بتقديم المعلومات والأرقام إلى المختصين من الاقتصاديين، والصحافيين وإلى الجميع الذين يطلبونها للوقوف على أمر يتعلق بالشأن العام، ويحقق الشفافية، وبالتالي يمنع الفساد ويوقفه في مراحله الأولى، ولو كان هذا القانون موجوداً لأصبح كل الصحافيين والمهتمين بالشفافية موظفين في ديوان الرقابة المالية.