أياً كانت الجهة التي تقف وراء أحداث العراق الأخيرة، حتى وإن كانت «داعش» المرعبة قطاعة الرؤوس، إلا أن الثابت أن هناك حاضنة بشرية عراقية سمحت لهم بإطلاق الشرارة وساعدتهم بطرد جنود المالكي وبالانتشار السريع وفتحت لهم الأبواب وزغردت لهم ونشرت لهم الأرز على الطريق، وساروا معها حتى أعتاب بغداد، أهالي المحافظات العراقية «المحررة» هم الذين قبلوا بنار داعش ولا جنة المالكي، هذه هي «الرسالة» القوية الموجهة لحكم حزب الدعوة، الذي اجتث حزباً قبله بحجة طغيانه وظلمه فجاء يعيد اجترار الطغيان.الرغبة القابلة بأي بديل وإن كان بديلاً قطاعاً للرؤوس ما جاءت من فراغ، إنه رد فعل طبيعي وتلقائي على حكم طغى وتجبر، حكم أعطي الفرصة الأولى لقيادة دولة «العدل» التي كان ينتظر ظفره بها منذ مئات السنين ويمهد لها وينظر لها ويدعي الثورة على الظلم والاضطهاد على غيرها، حتى إذا ما دانت له الدنيا وحصل عليها، كان أكثر طغياناً وظلماً، وأكثر إقصاء للآخرين، وملأ الأرض فساداً، وحلل الخيانة وشرعن الاحتلال وباع الأوطان، وسجن وعذب واعتدى حتى أصبح القبول بقطع الرأس مرفوعاً بكرامة ولا أن يبقى مذلولاً تحت ظلمه واستعباده.«دولة العدل» هجرت من العراقيين في السنوات العشر الأخيرة أضعافاً مضاعفة مما هجرتهم دولة الظلم، حتى أيام الحربين اللتين دخلتها العراق ما هاجر منها عراقيون كما هاجروا الآن، حتى أيام الحصار لم يغادرها العراقيون مثلما هو الآن، عراق اليوم غادره خيرة أهله من المتعلمين والمثقفين، غادرها المسيحيون واليهود والتجار وهربت المرأة وهرب الإنسان الحر، لقد قدم حزب الدعوة خلال عشر سنوات أسوأ نموذج لأي حزب حاكم، وأعطوا نبذة لأي دولة أخرى تتعاطى مع هذه الحزب عما ستؤول إليه أحوال أي دولة تتولى فيه هذه الجماعة زمام الأمور.ولم يكن الفرع البحريني بأحسن حال من الفرع العراقي، هنا أيضاً خانوا أهلهم وتعاونوا مع الأمريكان ورفضوا أن يقبلوا سنياً واحداً في قائمتهم الانتخابية ورفضوا قانون الأسرة وأسسوا حزباً استبعد منه أيضاً الشيعة المختلفون معهم، إنك ترى نهجاً وفكراً واحداً دانت له الدنيا وأعطي فرصة تاريخية انتظرها لمئات السنين فأفسدها، وجعل من اللجوء لقطاع الرؤوس أهون من الخضوع لهم.جاءت لهذا الحزب فرصة في بلدين عربيين، كي يظهروا بمظهر من يلم الشمل ومن يفعل الوحدة الوطنية ومن يجمع النسيج الوطني، ومن يحمل برنامجاً تنموياً وطنياً شاملاً، جاءت الفرصة للفرع الرئيس والثانوي لإثبات وإقناع الآخرين الذين يشاركونهم الأرض بشعاراتهم وخطابهم، لكن نهمهم للسلطة أعمى بصيرتهم فرموا كل الأقنعة وانشغلوا بجمع الغنائم، فبانت عورتهم الطائفية وقصورهم في مهارات الحكم والسياسية، بل إن أوطانهم هانت عليهم فحرقوا الأخضر واليابس فيها ولم يرف لهم جفن ومن لم يشترك في عمل إرهابي كان للإرهابي عضيداً.ولم يكتفوا بما غنموا في أوطانهم لكنهم طمعوا في كل غنيمة في العالم العربي، فخرج اللبناني يقاتل في سوريا وخرج العراقي يقاتل في سوريا وجاء اللبناني للبحرين طامعاً وهدد العراقي البحرين متجاوزاً كل عرف وكل قيد سيادي، فسقطت كل الأقنعة حين ظنوا أن جنى الجنتين دان.حتى إذا ما وجدوا أنفسهم في مواجهة الشعوب العربية واكتشفوا حجم التذمر والتنمر والتمرد التفتوا لحليفهم الأمريكي الذي أغواهم ليعينهم على شركائهم، فسمعوا تلكؤاً وخطاباً متردداً، ورسالة مخيبة «اذهب أنت وربك فقاتلا إننا ها هنا في حاملة الطائرات قاعدون»!ضيعوا فرصة انتظروها مئات السنين، فرصة لن تتكرر ربما لمئات غيرها، خلقوا دائرة من الشك وعدم الثقة بينهم وبين محيطهم ستنغص عليهم كل مكسب ظنوا أنهم مالكوه للأبد، فإن فتحتم ملف اللوم والعتب، فلا تلوموا إلا أنفسكم.