أيام تمر على بغداد لم تشهدها في تاريخها الغابر والمعاصر، صحراء تفيض بماء الفرات، وأحياء يمر بها دجلة تموت عطشاً، وشوارع ترتوي بدماء المارين عليها.تعرضت بغداد عبر تاريخها الطويل لقرابة ثلاثين نكبة ما بين احتلال وحصار وتدمير، لكنها لم تشهد أسوأ مما شهدته خلال الإحدى عشرة سنة الماضية وأسوا ما فيها ما تعيشه هذه الأيام لاسيما مع قرب الانتخابات البرلمانية التي يدفع ثمن التنافس من أجلها المواطن العراقي دماً وكرامة، فبعد أن اشتهر العرب بالتطبيل والتزمير في حملاتهم الانتخابية؛ ابتكرت إيران طريقة جديدة لحملات تابعيها في العراق، فنصحتهم بإشعال الحروب ليتخلصوا من منافسيهم ويكسبوا أصوات جمهورهم، وهذا ما جرى في الأنبار وحربها التي بدأت بقتل المتظاهرين السلميين فثار أهلها ثورة لم يتوقع عدوهم حجمها وأبعادها فتكبد الخسائر تلو الخسائر وعجز عن حسم معركة اختارها هو، ومع بدء تململ جمهوره وإدراكهم بأن المعركة التي تحصد أبناءهم غايتها حصد أصواتهم، أشعلت إيران عبر ميليشياتها حرب المياه في بغداد وأطراف الأنبار.حرب المياه التي تعيشها بغداد تختلف عن حرب المياه القادمة بين دول العالم، والتي سببها حبس المياه في دولة عن الأخرى بسبب شحه، فحرب المياه في بغداد قائمة على إطلاق المياه وإغراق الأرض، وإن كان العالم قد عرف سياسة الأرض المحروقة، فسيتعرف الآن على سياسة الأرض المبللة، حرب المياه هذه قامت على أساس تبادل الأدوار بين الحكومة والميليشيات، فكل منهم يسيطر على عدد من سدود نهر الفرات في محافظة الأنبار فيغلق أحدهما سداً فيما يفتح الآخر سداً غيره حتى وصل الماء إلى أعلى مستوى في أطراف الأنبار وعلى مشارف بغداد في مناطق برية تعرف باسم أبوغريب تقطنها قبيلة زوبع، وهناك أحدثت الحكومة فتحة في النهر لتحول مساره وتحيل أماكن برية إلى بحيرات امتدت إلى مناطق كثيرة تابعة لمحافظة بغداد، لتشهد بذلك بغداد أكبر عملية تهجير جماعي تجاوزت الأربعة آلاف عائلة خسروا أراضيهم وبيوتهم بكارثة إنسانية بفعل البشر.أما نتيجة هذا العمل فهو إغلاق أكثر من 40 مركزاً انتخابياً في الأماكن الغارقة لفئة بعينها وإتلاف أرضهم وأموالهم، أما وسط بغداد الذي يمر فيه نهر دجلة فقبل أيام وتحديداً في تكريت شمال بغداد تسرب نفط بفعل فاعل إلى نهر دجلة وقبيل وصولها إلى بغداد قطعت الحكومة مياه الشرب عن أهل بغداد بحجة السماح للنفط بالمرور ليعيش أهل بغداد في عطش من جهة وفيضان من جهة أخرى، يرافق كل ذلك تفجيرات يومية لتصفية الحسابات بين الأحزاب تروي شوارع بغداد بدماء أهلها.ما يجري في بغداد مخطط لتدمير بنيتها التحتية في مناطق بعينها تسكنها فئة بعينها ولأسباب طائفية بحتة بحرب مادتها مياه الرافدين.