من القضايا المسكوت عنها لدى السياسيين في البحرين مسألة الخلافة في رئاسة الجمعيات السياسية، وهي من القضايا الشائكة والتي من يتم التحدث فيها نادراً، إن لم تكن في أحايين كثيرة من التابوهات التي تقود إلى المعاقبة التنظيمية. رئاسة الجمعيات السياسية، وتحديداً مناصب الأمين العام بحسب قانون الجمعيات الصادر قبل 9 سنوات مازالت غامضة، ومازالت معايير الاختيار غير واضحة أيضاً. فرغم أن لكل جمعية سياسية معاييرها الخاصة (المعلنة) إلا أن هناك معايير غير معلنة، ويمكن وصفها بـ (المعايير العرفية) هي التي تتحكم في عملية اختيار الأمين العام ليتولى رئاسة هذه التنظيمات السياسية. فيما يتعلق بالانتخابات التي تجرى بشكل دوري لمختلف الجمعيات السياسية، فإنه من الواضح أن هناك تداولاً لمنصب الرئاسة باستمرار، ولكن هناك عدداً من الجمعيات تواجه تحديات تتعلق بمناصب الإدارة العليا، فبعضها أدى سلوك الأمين العام إلى نفور الأعضاء والكوادر، وظهرت مشكلة شرعية المؤتمر العام، وشرعية الأمانة العامة نفسها، وهو ما أدخلها في إشكالية قانونية مع مكتب الجمعيات السياسية بوزارة العدل. فضلاً عن نماذج أخرى عانت صراعات حادة بين الأجنحة السياسية داخل الجمعية الواحدة، أو حتى الخلافات الشخصية، ودفعتها في النهاية إلى الانتقال إلى خلافات قانونية كان للمحاكم دور فيها.عملية اختيار الأمين العام أو رؤساء الجمعيات السياسية تخضع -عرفياً- لاعتبارات عديدة، فهي ليست مرتبطة فقط بكفاءة المترشح لهذا المنصب أو شعبيته أو تاريخه السياسي أو إيمانه الأيديولوجي، وإنما تخضع للجناح الأقوى سياسياً داخل الجمعية. وللتوضيح أكثر، فإنه متى ما زاد نفوذ الكوادر المتشددة أيديولوجياً فإنهم سيدفعون لانتخاب أمين عام متشدد، والعكس صحيح بالنسبة للكوادر المعتدلين أيديولوجياً، ومثل هذا الصراع لا يكون معلناً حتى بالنسبة لكوادر الجمعيات نفسها. أيضاً هناك تدخلات خارجية تساهم في تحديد منصب الأمين العام أو رئيس الجمعية السياسية، وتتعلق تحديداً بطبيعة التحالفات التي تملكها الجمعية، ويمكن الحديث هنا عن بعض الجمعيات السياسية التي كانت متحالفة مع نخب تجارية وكان لهذه النخب الدور الأبرز في تحديد من يتولى منصب الأمانة العامة، ولكن هذا الوضع اختلف تماماً بعد أزمة 2011. قد يكون النمط الأبرز هو التحالف بين بعض الجمعيات السياسية والمؤسسات الدينية، وتعد الوفاق النموذج الأبرز في هذا الصدد. فمن يحدد منصب الأمين العام وأعضاء الأمانة العامة ليس شورى الوفاق أو حتى أعضاء المؤتمر العام، بل المؤسسة الدينية المتحالفة معها، والتي تصدر رأيها في المسألة ويكون لهذا الرأي قوة الفتوى الدينية، وبالتالي يصبح كوادر التنظيم مسلوبي الإرادة والحرية في اختيار من يمثلهم في الأمانة العامة. وهذه الحالة هي التي جعلت علي سلمان أقدم أمين عام لجمعية سياسية في البحرين حتى الآن بلا منازع، فهو يتولى منصب الأمانة العامة منذ العام 2002، أي منذ 12 عاماً، ولم يظهر له منافس طوال هذه الفترة بسبب ما يحظى به من دعم سياسي كبير من المؤسسة الدينية المتحالف معها.قضية الخلافة في الجمعيات السياسية لا يتم التفكير فيها جدياً على مستوى النخب أو حتى على مستوى الكوادر، فغالباً ما يتركز التفكير في كيفية إيصال الأمين العام وأعضاء الأمانة العامة لمستوى متقدم، وضمان دخولهم في الغرفة المنتخبة من البرلمان. الجمعيات السياسية لم تفكر كثيراً في تشكيل بدائل أو إعداد مشاريع شابة لمنصب الأمانة العامة مستقبلاً لأنها منشغلة بقضايا أخرى قد تكون هامشية نسبياً. ومسألة الخلافة غير واردة ما دام هناك من يتحكم في التنظيم ولديه القدرة على إدارته في الوقت الحالي. أما بالنسبة لمعايير الخلافة، فإنها ستبقى خاضعة للاعتبارات السياسية والتحالفات التنظيمية، ومن غير المتوقع أن يظهر جيل شاب سريعاً ليدخل ضمن دائرة الخلافة على مناصب الأمين العامة في هذه الجمعيات.