كصحافة وكتاب تأتينا بشكل شبه يومي اتصالات وإيميلات من المواطنين، فيها من المشاكل ما لا ينتهي، ودائماً ما يكون طرق باب الصحافة هو الأمل الأخير، باعتبار أن المواطن استنفد كل الوسائل لديه لحل مشاكله، وانتهى به المطاف إلى الصحافة لتنشرها علها تصل مباشرة إلى كبار المسؤولين وقيادة البلد، وطبعاً في هذا دلالة على أن المسؤولين الأدنى في التسلسل الهرمي سواء وزراء ومن تحتهم لم يقوموا بواجبهم بشكل كامل بالتالي مازالت هناك حالات فيها إشكاليات وتعطل.لكن تصادفنا أحياناً اتصالات وشكاوى لا يمكن أن تطرق في مساحة العمود، وهذه قناعة شخصية، إذ كثيراً ما تصلنا قضايا «فردية» تمثل «حالات خاصة»، أي ليست «حالات عامة» معنية بشريحة كبيرة من المواطنين، وهنا يكون واجبنا تقييم الموضوع، فإن كان يمثل بالفعل كارثة لا يمكن السكوت عنها فإن الاهتمام به يكون لازماً، لكن للأسف هناك من يصل حتى للكتاب ليعبروا عن قضية خاصة به، وبعضها وللأسف (مرت بي حالات وأمثلة) هدفها فقط أن يتحول الكاتب أو صاحب الرأي إلى «واسطة» بحيث يصل للوزير أو المسؤول حتى «تمشي أمور» هذا المواطن.هنا الحد الفاصل بين الصواب والخطأ في ممارسة الكتابة واحترام هذا القلم ومهنيته، إذ للأسف بعض المواطنين ولأجل مصلحته (وأقول بعضاً وأعني بهم أصحاب القضايا الخاصة) لا يهمه وضع الكاتب وما يمكن أن ينعكس عليه إن وافق «كرماً» منه أن يتعاطى مع الموضوع، للأسف هناك من يريدك أن تتحول لمخلص معاملات أو -كما بينت أعلاه- واسطة بناء على المفهوم الخاطئ والسائد لدى البعض (والله قيلت لي) بما معناه: إنتوا الكتاب يخافون منكم وبيتحركون على الموضوع!أسفاً، أهكذا ينظر البعض للصحافة والكتاب؟! هذه نظرة خاطئة تماماً، ليست الصحافة موجودة لخدمة أفراد وإن كانوا مواطنين، وللأسف بعضهم يريد أن يساعده أصحاب الرأي بطريقة ما ليتعاطى مع قضيته الوزير الفلاني أو العلاني بأسلوب «الواسطة» وبمفهوم «يمون عليك وتمون عليه»، دون أن يدركوا أن هذا خطأ، وأنه متى ما قام الكاتب بعمله بهذه الطريقة فإنه يرتكب في حق نفسه جريمة قبل أي أحد آخر.حينما تصل الصحافة لهذا المستوى، أي مستوى «الطلب» واستجداء «الخدمات»، فإن الصحافي أو الكاتب «يكسر» جزءاً منه نفسه، أي أنه حينما تطلب «جميلاً» من وزير أو مسؤول أو قطاع، فإنك تتخلى عن شيء من قوة قلمك، باعتبار أن من سيتكرم عليك ويتعاطى معك ويحل المشكلة أو يمرر الطلب أو يذلل العملية (وكثيراً من المسؤولين يريدون ذلك تودداً وتقرباً للصحافة والكتاب لكسبهم إلى جانبهم وتجنب سطورهم) فإنك تحرق مراكبك فلا يمكنك بعدها أن تنتقد هذا القطاع أو ذلك لأنه سيصبح وزيراً أو قطاعاً «كاسر جميل عليك» وإن كان جميلاً يستفيد منه مواطن هنا ومواطن هناك.بالتالي، نعم الصحافة نبض الشارع، لكنها للشارع كله، لقضاياه العامة، لمشاكله الحقيقية والتي يتوافق عليها كافة عموم الشعب وتمثل هاجساً لهم، الصحافة والكتاب ليسوا «مكاتب توظيف» وليسوا «واسطات» وليسوا «أدوات تخريع» لهذا الوزير أو ذاك ولأجل قضايا فردية لو تبحث فيها فإنك ستجد أنها لا تعكس مشكلة يعاني منها المجتمع.وعليه نقول بأن مثل هذه القضايا مكانها صفحات «بريد القراء» وهي صفحات يقرأها كبار مسؤولي البلد ويتعاطون معها، وكثير من القضايا والحالات الفردية تم التعامل معها إثر نشرها فوراً في هذه الصفحات، وطبعاً هناك القنوات الأخرى عبر الوصول مباشرة للقطاع المعني وموظفيه ومسؤوليه ووزيره، دون نسيان دور نواب المناطق المختلفة، فهؤلاء صوت الناس لهم وانتخبوهم ليحلوا مشاكلهم، وإن تجاهلوا الناس فعلى الناس أن يقفوا لهم عند أبواب بيوتهم وبعضهم «ليس خطأ» أن تمسكوهم من ياقة قمصانهم أو أثوابهم إن لفوا ظهورهم عنكم.اضطررت لكتابة هذه السطور بعد أسبوع «جنوني» من اتصالات جاءتني فيها طلبات غريبة وغير منطقية. شخص يريدك أن تكلم وزير الإسكان شخصياً ويقول بأنه مظلوم إسكانياً وحينما تبحث في أمره يتضح بأنه مستفيد سابقاً من الخدمة. شخص يريدك أن تكلم هذا الوزير أو ذاك ليوظف ابنه وتكتشف أن ابنه لديه وظيفة جيدة ويعمل لكن المسكين «متملل»! ماذا تركتم للعاطلين إذن؟! إلى غيرها من حالات لا تملك إلا أن تقول إزاءها «لا حول ولا قوة إلا بالله وأستغفر الله العظيم».الصحافة ليست مكتب «واسطات» ولا «مكتب توظيف»، الصحافة تتحدث بمنظور عام عن مشاكل عامة تمس السواد الأعظم من الشعب، والحالات الفردية التي فيها ظلم صارخ لا يسكت عنه، أما حالات فردية لا تريد أن تعامل حالها حال الناس وتريد أن يتم تمييزها وتكون «على رأسها ريشة» بخلاف باقي الناس، هذه والله حالات يترفع القلم عن كتابة سطر عنها.