تراقب الأوضاع فتستغرب من أمور كثيرة تسير بالمقلوب، تجد من يستشيط غضباً على وضع معين هو أول الفرحين بانتهائه بعكس ما يشتهيه.ندلل على ذلك ببهجة بعض النواب بسقوط استجواب وزير المالية، في حين لو نرجع قليلاً للوراء ولأسابيع محدودة تحديداً، فإننا سنجد تحشيداً نيابياً في اتجاه ممارسة الحق الدستوري واستخدام أداة الاستجواب، بل إن البعض كان يصر على هذا الحق المكفول دستورياً، لكن مع مــرور الأيام، بدءاً من اختفاء ورقة الاستجــواب (نكتة الموسم) وصولاً لانقلاب المواقف من سحب للتواقيع وتبدل الموقف من النقيض إلى النقيض، كلها أمور تدخل في إطار اللعب في أعصاب الناس.لن نتحدث عن الاستجواب بالتحديد، بل عن عموم المسألة، إذ حينما ترفع عقيرتك بالصراخ وتبدأ التحشيد وتقول وهدفك في القول بأن يصل للناس حتى يثقوا بك أو أقلها يعيدوا منحك الثقة بأنك تقف مدافعاً عن الصواب بهدف تصحيح الخطأ، لكن بعدها تنعكس الأمور، ماذا تترقب من الناس أن يكون رد فعلها؟!الناس، عمومهم، لا يلومون الدولة ولا الوزراء ولا المسؤولين إن هم ارتكبوا أخطاء أو واصلوا فيها، هم يلومون من لديه الحق في الرقابة والمحاسبة والمساءلة، من يملك الأدوات ولا يطبقها هو الملام، ومن يريد تطبيقها في الوقت الضائع ثم يرد بنفسه على نفسه بأن حراكه «غير جدي» هو الملام الأكبر.ماذا تريدوننا أن نقول للناس هنا؟! لا تصدقوا النـــواب؟! لا تقرأوا الجرائد؟! لا تكترثوا بــأي تصريحات تتحدث عن التطوير والإصلاح؟! خذوا كل ما يقال على محمل غير جاد، لأن الكلام شيء والواقع شيء آخر؟!هذا مالا نحتاج لقوله أصلاً، فالمواطن اليوم بمقــدوره أن يقيم كل شيء، بإمكانه أن يطلــق الأحكام بناء على ما يرى، فكيف تريدون لمواطن أن يصدق شعارات تمسه مثل تحسين مستواه المعيشي، أو محاربة الفساد، أو تطوير الخدمات وهو يرى في المقابل أن لا مستوى يتحسن ولا فساد يحارب بشكل صارم ولا خدمات تتطور لتواكب تطلعاته؟!ما يمارسه اليوم كثير من مسؤولي الدولة وحتى النواب المفترض أن يكونوا صوتاً للشعب، ليس إلا لعب في أعصاب الناس. بياعو الوهم كثيرون، ويتعب كثيراً المواطن الذي يصدق الكلام ويبني عليه آمالاً. قالوا زيادة في الرواتب وشحنوا وحشدوا ثم لاشيء حصل. قالوا استجواب ومحاسبة ثم هاهم بنفسهم (والصور توثق) يفرحون بسقوطه! يا سبحان الله.من يطلق كلاماً ووعوداً عليه أن يكون على قدر المسئولية لتحقيقها، عليه أن يكون على قدر الكلام، عليه ألا ينسى بأن كل كلمة تصدر عنه هو محاسب عليها، ولا نقول محاسب عليها من الدولة، بل محاسب عليها أمام الناس، وما أكبرها من «معيبة» حينما يصفك الناس بالكاذب أو بائع للكلام الفاضي، حينما لا يجدون منك حتى ربع فعل واحد يجسد ما تقول؟!العبوا في أعصاب الناس أكثروا، قولوا لهم بأن القادم الأفضل، أخبروهم بأن عليهم الصبر الذي يفوق في سنواته صبر أيوب حتى تتحقق طموحاتهم، بيعوهم كلاماً ثم ليذهب المسؤولون ليتطاحنوا فيما بينهم، ليذهبوا ليطلق كل منهم مشاريع وطموحات على ورق وستظل على ورق، أثبتوا لهم كذب المقولة بأن البحرين وأهلها قبل كل شيء، فما يراه الناس أن هناك كثيراً ممن مهمتهم خدمة البلد وأهله أولويتهم القصوى تتمثل بصورهم وأشكالهم ومواقعهم، ما يراه الناس هو مسؤولون ونواب يضعون أنفسهم قبل البحرين.كل هذا حرق للأعصاب، وما يعزي المواطن فقط أن اليوم هو «الخميس»، أقلها «الويكند» قد يحمل معه نوعاً من تهدئة الأعصاب باستثناء سد الشوارع وحرق الإطارات والإرهاب الذي لا يتوقف.احرق أعصابك يا مواطن، فليس البحريني من لا تحترق أعصابه!