المسؤول عن مراجعة وتقييم المادة الصحافية التي يوفرها الصحافي في أي صحيفة تريد أن تكون لها مصداقية يهتم أولاً، وهو يقرأها، بمعرفة ما إذا كان الصحافي قد استكمل عناصر الموضوع الذي يحقق فيه أو يتناوله على شكل تقرير، ويتأكد من أنه قد أتاح الفرصة لكل الأطراف ذات العلاقة، والتي يعبر عنها صحافياً بـ «أطراف النزاع» لتعبر عن وجهة نظرها. فالصحافي الذي يكتب عن موضوع مشاجرة وقعت بين طالب ومعلم في المدرسة، مثلاً، وأسفرت عن إصابات أو حدوث أعمال فوضى لا يقبل منه أن يبين وجهة نظر الطالب دون المعلم أو العكس، حيث عليه أن يتيح الفرصة للطرفين ليقول كل منهما ما عنده، ويتيح الفرصة أيضاً للطلاب والمعلمين وإدارة المدرسة ووزارة التربية الذين يعتبرون أيضاً أطرافاً في النزاع ليعبروا عن وجهة نظرهم ويقدموا ما بحوزتهم من معلومات، كما يهتم المعني بتقييم المادة الصحافية بالتأكد من أن الصحافي لم يكن منحازاً لطرف دون طرف وموضوعياً. لا يمكن الجزم بأن كل الصحافيين ومقيمي نتاجاتهم الصحافية يلتزمون بهذه الأساسات، ولكنهم جميعاً يدركون أن مكانة الصحافي والصحيفة تتضاءل في عيون القارئ الذي يحكم عليه وعليها بافتقادهما للمصداقية. ولكن إذا كان تجاوزا في هذا الخصوص يحدث أحياناً بشكل أو بآخر في العمل الصحافي الذي يقع في كثير من الأحيان تحت ضغط الوقت وعدم توفر البديل المناسب في اللحظة المناسبة، حيث العمل الصحافي اليومي هو في كل الأحوال صراع مع الزمن بغية ضمان عدم التأخر في الصدور وعدم غياب أي مادة، إذا كان تجاوزا عن ضرورة توفر أطراف النزاع قد يحدث ويمكن أن يكون «مبلوعاً» في ظروف العمل الصحافي اليومي، لكن ما ليس مبلوعاً ولا يمكن القبول به هو اعتماد تقارير المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان على معلومات تصلها من جهة واحدة فقط من «أطراف النزاع»، واعتبار ما حصلت عليه من معلومات من هذه الجهة أو الطرف حقيقة لا تقبل التشكيك، وإصدار التقارير بناء على هذا الأساس، ذلك أن مثل هذا الأمر يفقد تلك المؤسسات المصداقية ولا يجد المتلقي بداً من أن يحكم عليها بعدم المهنية وعدم المصداقية.في العمل الصحافي يمكن تصحيح الخطأ بتوضيح يصدر في اليوم التالي غالباً، حيث يتم نشر وجهة نظر الآخر الغائب في الصحيفة، ولكن تقارير المؤسسات الحقوقية لا يمكن تصحيح الخطأ فيها لأنه بعد نشرها لا ينفع الصوت، ذلك أن تأثيرها فوري وتبنى عليها قرارات ومواقف وقد تتأثر علاقات واتفاقات وتفاهمات بين الدول (الأحزاب تهتم عادة بمثل هذه التقارير وتحرص على أن يتوفر فيها رأيها دون رأي الحكومات، وتعمل على توظيف محتوى التقرير ليكون في صالحها، وهي تعتبر أن من صالحها أيضاً انفضاض الآخرين من حول الحكومة بناء على ما ورد في هذه التقارير من معلومات).من هنا دعا سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رجال الصحافة والإعلام الأسبوع الماضي، وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إلى «تفويت الفرصة على المؤسسات التي تنظر للوضع في البحرين من وجهة نظر واحدة»، ووصفها بأنها «فاقدة لأساسات المهنية والمصداقية اللتين من المفترض أن تكونا دعامات عملها». من المهم أن يعرف المتلقي لتلك التقارير أن اعتماد تلك المنظمات في حصولها على المعلومات من طرف دون آخر يفقدها المصداقية والمهنية، ومهم أن يعرف كذلك أن التبريرات التي تسوقها وترديدها بأن الجهات الرسمية أو المعنية لم تتعاون معها، أو أنها لم توفر المطلوب في الوقت المناسب تبريرات لا قيمة لها وغير مقبولة، وأن يعرف كذلك أن لبعض المنظمات مصالح خاصة وغايات غير معلنة تضطرها إلى الانحياز لطرف دون آخر.
Opinion
«مصداقية» المنظمات الحقوقية التائهة!
11 مايو 2014