دون مقدمات وسابق إنذار دارت طاحونة المونديال بكل قواها منتجة مباريات على أعلى مستوى من الناحية الفنية والخططية وكيف تدار المباريات قبل وأثناء سيرها، فكانت وفرة الأهداف والإثارة والمفاجآت هي العنوان الأمثل لانطلاقة المونديال رغم التخوف من انخفاض المستوى بسبب إنهاء الموسم الأوروبي منذ أيام فقط. عديدة هي المباريات التي لعبت حتى الآن ولكن ما شد الانتباه وطال الحديث عنها هي بالطبع المباراة الافتتاحية بين البلد المستضيف البرازيل وكرواتيا وانتهت بفوز السيليساو 3-1، والمباراة المفاجئة في النتيجة العريضة بين منتخب هولندا وصيف البطولة السابقة وإسبانيا بطلة كأس العالم الماضية وتوجها البرتقالي بفوز كاسح قوامه 5-1.دخل المنتخب البرازيلي بتشكيلته الأساسية بتواجد جميع لاعبيه وبروح وعزيمة عالية جداً، حتى إن أرجاء الملعب اهتزت وقت السلام الوطني لمنتخب البرازيل وهذا حال جمهور البرازيل دائماً. بدأ المدرب سكولاري بالرسم التكتيكي 4-2-3-1 بوجود نيمار كلاعب وسط ثالث ناحية اليسار وتتحول إلى طريقة 4-4-1-1 بإتاحة حرية الحركة لنيمار كلاعب مهاجم وهمي يلعب خلف المهاجم فريد لاستغلال إمكانياته الفردية الرائعة في المراوغة واستغلال المساحات خلف خط وسط كرواتيا، فكان إحراز هدف التعادل من مجهود فردي أرجع المنتخب البرازيلي للمباراة. تنوع الأسلوب الهجومي للسامبا بين التحضير من الخلف تارة وبين اللعب المباشر تارة أخرى لاستغلال سرعة هالك وأوسكار على الأطراف وأيضاً الاعتماد على فريد كلاعب محطة، فكانت ضربة الجزاء الخيالية هي نقطة التحول وكذلك التبديل الذكي بإخراج نيمار ودخول راميريز القوي في افتكاك الكرة، وتغيير مركز أوسكار المميز في اللعب المباشر ليلعب خلف المهاجم آتى أكله فأحرز منه الهدف الثالث. أما في التحول الدفاعي استخدم سكولاري أسلوب الضغط العالي ولكنه غير فعال لعدم الضغط ككتلة واحدة، فخلفت مساحات استغلها الكروات بالذات ناحية داني ألفيس ومارسيلو. اكتشف سكولاري هذا الخلل فعمد على تغيير الأسلوب باتباع الضغط المتوسط وساعده في نجاح هذا الأسلوب دخول بيرنار وهيرنانديز اللذان أعطا توازناً لخط الوسط ومساعدة الأطراف دفاعياً.المنتخب الكرواتي بدا واثقاً من نفسه رغم الضغوط الهائلة كونها المباراة الافتتاحية، فبدأ مدرب الكروات نيكو كوفاتش بطريقة 4-2-3-1 تعتمد في الأسلوب الهجومي على بناء الهجمة من الخلف بوجود راكيتيش والرائع مودريتش الذي يستطيع نقل الهجمة بسلاسة لمنطقة الخصم وأيضاً الاعتماد على الأطراف ولعب العرضيات بوجود أوليتش كوسط أيسر وبيريسيتش في الناحية اليمنى، حيث استغلا ضعف أطراف البرازيل في التغطية العكسية وفي المواجهة الفردية وأيضاً اللعب على المساحات الموجودة خلفهما. وفي الحالة الدفاعية كان أسلوب الضغط المتوسط هو السائد باتباع طريقة 4-4-2 أو 4-5-1، حيث نجح الكروات في هذا الأسلوب لتفوقهم في الالتحامات بقوة وصلابة وتميز مودريتش وراكيتش في مهارة افتكاك الكرة، وأيضاً لوجود لاعب قادم بقوة للنجومية وهو الظهير الأيسر العصري فرساليكو الذي يمتاز في التغطية وقراءة اللعبة والمساندة الهجومية. الكروات قدموا مباراة قوية ومتوازنة وأعتقد أن النتيجة كانت غير عادلة.نأتي الآن للمباراة التي أحدثت جدلاً واسعاً في الوسط الرياضي عندما طحنت هولندا بطلة العالم إسبانيا. فعندما تلاعب إسبانيا يجب عليك إعداد العدة للمباراة، فرأينا فرق التعامل بين مدرب هولندا فان غال وبين مدرب الإسبان ديل بوسكي.من المعروف أن مدرسة هولندا تعتمد على الكرة الشاملة واللعب الجميل، لذا كان من البديهي أن يسلك فان غال هذا الأسلوب، لكنه فاجأ الجميع وأولهم ديل بوسكي حين غير من فلسفته وترك الملعب ليسيطر الإسبان كالعادة وضربهم بالمرتدات. انتهج مدرب الطواحين طريقة 4-4-1-1 بوجود روبن كمهاجم خلف فان بيرسي يتحرك بحرية في الثلث الهجومي وبشكل أكبر في عمق دفاع منتخب إسبانيا، هذا المركز الجديد لروبن فاجأ به الإسبان، لذا رأينا كيف تم تسجيل الهدفين الأول والثاني عن طريق كرة قطرية من الطرف اليسار في عمق قلب دفاع إسبانيا الضعيف في التمركز والرقابة، حتى في عملية الهدف الثالث بانت قوة الهولنديين في الكرات الثابتة وفي الضغط من قبل فان بيرسي على كاسياس الضعيف في استخدام الرجل، فخطف منه الكرة محرزاً الهدف الرابع. تتويج أداء هولندا وبالأخص روبن أتى بكرة مرتدة سريعة استغل فيها المساحة الموجودة بين راموس وألبا فتلاعب بالكل محرزاً الهدف الخامس.على النقيض تماماً لم يتعامل ديل بوسكي مع المباراة بالشكل الأمثل ولم يحظر بدائل لما هو غير منتظر، فبدأ المباراة بطريقة 4-2-3-1 وبالأسلوب المعروف عن المنتخب الإسباني وهو الاستحواذ مع التنوع في البناء من الخلف واللامركزية في الحركة واللعب المباشر والضغط العالي حال فقدان الكرة. هذا الأسلوب كان ناجحاً في السابق عندما كان نجوم برشلونة والمنتخب في قمة عطائهم، ولكن رأينا كيف انهارت منظومة التيكي تاكا وبات من السهل التغلب عليها عن طريق الرجوع إلى منطقة الثلث الدفاعي وإغلاق المساحات واللعب على المرتدات، وهذا ما عمله منتخب هولندا ونجح فيه.أعتقد أن الطريق ممهد لهولندا لعبور الدور الأول وكذلك البرازيل، ولكن على سكولاري إيجاد أسلوب آخر لأن من الواضح أن نيمار هو من يحمل المنتخب البرازيلي على أكتافه وهذا لا يصب في مصلحة السيليساو. أما ديل بوسكي فمهمته صعبة جداً لترميم الشرخ وإرجاع اللحمة للفريق قبل أن يجد حلولاً وأساليب أخرى تمكنه من عبور الدور الأول.