يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته. وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره، كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفخ غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته، بلي بعبودية المخلوق وحبته وخدمته، قال تعالى: «ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين»».يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى عند الإقبال على أي عمل في أيام الدنيا المعدودة، ضرورة أن ينقي المرء نفسه من «شوائب الدنيا» ويبتعد عن تلك التفاهات ومضيعات الأوقات، فهي وبلا ريب السم الزعاف لوقته وحياته، وهي في الوقت ذاته، الطريق المعوج لبلوغ الغايات الدنيئة، التي لا مرد لها إلا الضياع والخسران المبين. إن وجود «مصفاة» الإيمان داخل قلب المسلم، تعطيه أكبر الأمل في حياة فسيحة مليئة بالخير، وتدفعه لبذل المزيد من الجهد والعمل في مسير الصالحات الباقيات، وترتقي بهمته ونشاطه لبلوغ جنان الله الخالدة. هذا ما يجعلنا في كل حين نتساءل: لماذا نظل نسرح في صحراء قاحلة لا منبت فيها ولا مأوى؟ لماذا تظل أوقاتنا تضيع سدى بين «ترهات دنيوية» وحسابات لا فائدة منها، وجولات فارغة؟! ألم تقرع آذاننا تلك العلامات البينات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم والموحية بقرب قيام الساعة! ألم تؤلمنا تلك الصور القاتمة للاضطرابات والحروب والقتل والتدمير وسفك الدماء في شتى بلدان العالم؟ ألم نتعظ بأنين شعوب البلدان المقهورة التي باتت تئن تحت وطأة الاصطدام الطائفي، والحقد الصهيوني، والخطط العالمية الشرسة التي تطمح في قهر الشعوب والسيطرة على دولنا وزعزعة أمنها واستقرارها وجرها للمزيد من التناحر الطائفي؟! كوارث وحوادث ومفاجآت الدهر، أضحت لا تمثل لنا أي اتعاظ، ولا تزلزل نفوسنا لنعود إلى أحضان الإيمان، ونصلح من جديد «مصفاتنا الإيمانية» التي أكل عليها الدهر والشرب، لأن أفكارنا بالفعل، أضحت محصورة في التمتع بالزخارف الدنيوية، والاسترسال في أحاديث مضطربة لا خير فيها ولا فائدة، وبتنا نركض وراء لقمة العيش، وبات الواحد منا يقضي جل يومه في أعمال الحياة غير المنتهية، فإذا انتهى يومه أسرع إلى سريره ليخلد للنوم استعدادا ليوم آخر جديد، هو مشابه لما قبله، فيا ترى، هل أيقن كل من أهمته مشاهد الدنيا وتناسى «عمل الآخرة» بأن حياته تسير نحو المجهول في وقت حياتي تمر فيه الأوقات كالسحب العابرة!فيا عاشق الدنيا تنبه قبل فوات الأوان، واعمر حياتك بالخيرات، وكن عاشقا لها وللفردوس الأعلى، تنبه فالعمر قصير، لا تضيع أي لحظة فيها دون أن تعمرها بخير يشفع لك عند الديان. يا عاشق الخيرات، كن كالفراشة تجذب الآخرين بجمالها ورقتها وقدرتها على الانتقال من زهرة إلى أخرى، تنقل الخير وتضفي لمسات الجمال الساحر في كل بقعة تحط فيها رحالها.يا عاشق الخيرات، إن أصبحت وإن أمسيت ليكن همك المولى العظيم وحده، تبتغي وجهه في كل عمل تقوم به، ليكن همك رضاه سبحانه وتعالى لا إرضاء البشر الذين هم في زوال، وإن تكالبت عليك ظروف العيش وغدر البشر، فتذكر الباري تعالى وقوته وفضله، فهو القادر بأن ينجيك من كل الأكدار والغموم ومن سهام الغدر.يا عاشق الخيرات، تفنن في عمل الخير، في كل يوم تصبح فيه، تذكر لعله آخر يوم من حياتك، لذا بادر لعمل ولو كان صغيراً، ولكنه يمثل لك صورة جميلة تنسيك كل هموم العيش وآلام الحياة.يا عاشق الخيرات، لا تستسلم لتلك الوساوس الشيطانية المريبة التي تسعى للغدر بك، وتحويلك إلى كيان جامد لا حراك له، كيان يستسلم للعجز والكسل، ويترك كل «أبواب الخير» ليستسلم لأوحال الدنيا التي لا تعطيه أي أمل لواقع جميل أو حياة مشرقة، أو تدفعه للظفر بنسائم الجنان الخالدة.يا عاشق الخيرات، حول حياتك إلى إعمار حقيقي في كل مناحيها، إعمار يجعل حياتك خلية نحل نشطة لا مجال فيها للغو والسرحان الدنيوي، من هذه اللحظة، لنكتب معاً مشروعنا الخيري: «عاشق الخيرات» نعزز فيه معاني الإعمار الحقيقي في كل مجالات الحياة، وفي ساعات اليوم الطويلة، وأجمل ما في المشروع أننا سنحوله إلى ميدان عمل خلال شهر رمضان المبارك، فرمضان أكبر فرصة لتنفيذ أجمل مشروع في حياتنا، حتى يستمر طويلا. نعم، إننا نعشق الخير، ونعشق بأن يكون لنا في كل يوم من حياتنا لمسة خير جميلة تمثل العطاء الحقيقي لحياتنا، حتى نبني مكانتنا الأجمل، في الجنة الغالية، وما أروعها من مكانة، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا يوم الدين.