من جديد شهدت البحرين الكثير من المتغيرات منذ تم تدشين مشروع إصلاح سوق العمل، ومنها أن المشروع لم يؤدِ حتى الآن إلى أن يصبح العامل البحريني صاحب الأفضلية في سوق العمل بالقطاع الخاص، وبالتالي تهيمن الغالبية من البحرينيين على هذا السوق، ويجد أصحاب الأعمال أنفسهم مجبرين على التقليل من توظيف العمالة الأجنبية. فقد راهن مشروع إصلاح سوق العمل على البحريني المتعلم تعليماً جامعياً أو من خريجي البوليتكنك، أو معهد البحرين للتدريب على أقل تقدير، هذا المستوى الذي سيجعل القطاع الخاص يقبل على توظيفه ومنحه الراتب المجزي الذي يرفع مستواه المعيشي إلى ما يفوق احتياجاته المعيشية. لكنه على الرغم من كل الجهود التي بذلت في سبيل تحقيق هذا الهدف من قبل وزارة العمل، ومن قبل تمكين، وما وضع من برامج وصرف من ملايين الدنانير فإن النتيجة جاءت على غير ما اشتهى وأراد المشروع، جاءت ربما بانتصار هيئة سوق العمل على وزارة العمل وتمكين. فالوزارة وتمكين تعملان من أجل إيجاد وظائف أكثر للبحرينيين ومن ثم تقليل أعداد العاملين الأجانب، وهيئة سوق العمل مهمتها تنظيم وضبط حجم سوق العمالة الأجنبية، ولكن بعيداً عن الضوابط التي كانت تحكم سوق العمل في السنوات السابقة، وعلى رأسها شرط البحرنة وارتفاع نسبة البحرينيين العاملين بالمؤسسة على أمثالهم من الأجانب، والتي حلت مكانها المنافسة المفتوحة، وإعطاء الخيار المطلق لصاحب العمل في توظيف من يريد. فما حدث أن هذا المبدأ الذي قام عليه مشروع إصلاح سوق العمل تعرض إلى أبشع استغلال من قبل أصحاب الأعمال الذين وضعوا مصالحهم الخاصة فوق أي مصلحة وطنية أخرى، واندفعوا صوب هيئة سوق العمل يطلبون منها الموافقة على منحهم المزيد والمزيد من تراخيص استقدام العمالة الأجنبية، والهيئة التي أنشئت كأحد أجنحة مشروع إصلاح سوق العمل، وأوكل لها مهمة رفد سوق العمل بما يريد ويطلب من العمالة الأجنبية ليس أمامها إلا أن تلبي الطلبات التي انهالت عليها بالآلاف ثم بمئات الآلاف. ويوماً بعد يوم تتسع الهوة بين حجم العمالة البحرينية وحجم العمالة الأجنبية في السوق، وبين مهارات العمالة البحرينية التي قصدها مشروع إصلاح السوق، والعمالة غير الماهرة أو الرخيصة التي أغرقت هيئة سوق العمل بها السوق، أضف عليها العمالة غير النظامية أو السائبة التي استقر عددها عند 40 ألف شخص على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، والتي باتت تقبل بأي عمل وبأي أجر وبأي شروط عمل ومعيشة. وبين هذا وذاك تبرز إلى السطح مشكلة الجامعيين العاطلين عن العمل، والذين يزداد عددهم بمعدل 8 آلاف شخص سنوياً، لتكشف لنا أولاً أن نظرية ربط سوق العمل بمخرجات التعليم لم تكن موفقة، وأن التعليم يذهب باتجاه، وسوق العمل يذهب باتجاه آخر...الأول يهدف إلى سد حاجة السوق من العمالة البحرينية المتعلمة والمدربة، فكلما استطاعت المؤسسات التعليمية أن تخرج المزيد من المتعلمين الجامعيين ومن في مستواهم، تلقفهم السوق وقدم لهم الوظائف ذات الرواتب المجزية، وبالتالي تمكنت البحرين من حل مشكلة البطالة فيها. والثاني -أي سوق العمل- يهدف إلى الحصول على العمالة الرخصية التي تقبل بأقل أجر ممكن، وليس مهماً أن تكون متعلمة أو مدربة، فهي ستتدرب على رأس العمل، إضافة إلى أن الواحد من هؤلاء سيؤدي أكثر من عمل يطلب منه دون تذمر أو شكوى، وإذا حدث واحتاج السوق إلى أصحاب الخبرة من المتعلمين، فالعمالة الأجنبية سوف تلبي هذه الطلبات بأقل أجر من البحرينيين. وإزاء هذا التطور المعاكس وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من وجود سوق عمل يحوي 92 ألف عامل بحريني مقابل حوالي 612 ألف عامل أجنبي بينهم 40 ألف عامل غير نظامي يدرون أموالاً طائلة على تجار البشر في هذا البلد. تطور يتطلب منا إعادة النظر في الأسس والأهداف التي قام عليها مشروع إصلاح سوق العمل، لا بصرف النظر عن العمالة البحرينية المتعلمة والمتدربة، وإنما بالتوجه والتركيز على «ضخ المزيد من الاستثمارات في التعليم المهني، وجعل هذه الاستثمارات الهادفة إلى رفع مستويات المهارة استراتيجية مستدامة طويلة الأمد دعماً لدخول المواطنين إلى قطاعات العمل المتنوعة». كما أورد تقرير أصدره معهد المحاسبين القانونيين في إنجلتزا وويلز مؤخراً، إضافة إلى إيجاد استراتيجية أخرى لتأسيس المزيد من الشركات الصغيرة التي تعمل في المجالات المهنية تدعمها تمكين وبنك البحرين للتنمية، بشرط أن يقتصر العاملون فيها على البحرينيين بنسبة 100%.