«في حالة الخلاف حول تفسير نص في الدستور أو القوانين أو المراسيم بقوانين بين الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء ومجلسي الشورى والنواب أو أحدهما، أو بين المجلسين يكون التفسير الصادر من الهيئة «هيئة التشريع والإفتاء» ملزماً للأطراف إذا كان قد صدر بناءً على طلبهم.بهذا البند اليتيم من مرسوم بقانون صادر عام 2006 لتنظيم عمل واختصاصات هيئة التشريع والإفتاء، تم إناطة اختصاص تفسير النصوص الدستورية من أجل فض المنازعات بين السلطات حول تأويل النصوص، وإعمال الرقابة على الأعمال البرلمانية من خلال تفسير وتأويل النص إلى هيئة التشريع والفتوى، وهي جهة أصيلة في عملية التشريع يناط بها صياغة المقترحات بقوانين والمشاريع بقوانين، وكأننا هنا جعلناها هي الحكم وهي الخصم في عملية التفسير والتأويل.برزت الحاجة في الفصل التشريعي الثاني لجهة يناط بها تأويل وتفسير النصوص واللوائح القانونية، حين بحثت السلطة التنفيذية عن جهة اختصاص للتصدي في ما حسبته حين ذاك انحرافاً وسوء استغلال للنواب لسلطتهم الرقابية في طلب استجواب وزير البلديات منصور بن رجب، وها هي المرة الثانية التي تحتاج فيها السلطة التنفيذية إلى جهة اختصاص تحيل لها طلب الاستفسار أو تطلب الرقابة على الأعمال البرلمانية في طلب استجواب وزير المالية الحالي، ولا تجد غير هذا النص اليتيم وغير تلك الجهة والتي بالإمكان الطعن في شرعية اختصاصاتها كما قلنا «مع كامل احترامي لشخوص وأعضاء الهيئة». المشكلة الثانية التي ستبرز للسطح الآن أن قرارات الهيئة غير ملزمة في حال لم يوافق النواب على طلب الإحالة، وعلى هذا الأساس سيظل الخلاف عالقاً في هذه الحالة، فكيف ستحسم الخلافات التي ستطرأ مستقبلاً بين السلطتين على النصوص القانونية ولمن الكلمة هنا؟طلب الحكومة اليوم يفتح هذا الملف في وقت مناسب جداً على الدولة أن تنهيه قبل الفصل التشريعي الرابع، حيث من المتوقع أن تزداد حدة الصراع السياسي داخل قبة البرلمان -وهذا هو ما يستقيم مع المنطق- مما يترتب عليه تشدد في المواقف ويفتح باب الاختلافات وتعدد التأويلات وجهاتها، والانحراف في أداء السلطة النيابية وراد في هذه الأجواء وبحاجة إلى جهة يلتزم الجميع بقراراتها.وفي رأينا المتواضع فإن «المحكمة الدستورية» وهي الجهة المنوط بها ضبط الأعمال التشريعية من خلال تمحيص النصوص القانونية ومدى تطابقها ومواءمتها الدستورية، فمن باب أولى أن تكون هي الجهة الأمثل والأصح والأضبط كي تناط بها كافة الاختصاصات التي اختزلتها المادة الثالثة من البند الثاني من قانون هيئة التشريع والإفتاء.