الرأي

وطني الذي أحبه

المسير

إن حب الوطن إحساس فطري يسري في شراييننا، إحساس منبعه الأول الانتماء الحقيقي لديننا الحنيف الذي حثنا على حب الوطن والدفاع عنه والذود عن حماه، لذا فإن الأقلام الصادقة المحبة لأوطانها والمخلصة في انتمائها لهذه الأرض التي ترعرعت عليها، ستظل صامدة تكتب وتدافع وتعبر عن مشاعرها تجاه «الحضن الدافئ» الذي احتضن كل ذكريات حياتنا بفصولها الرائعة التي تتحدث عنها الأجيال، وما أروع مشاعر رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم التي أبداها عندما غادر مكة مرغما إلى المدينة المنورة، فقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولو أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» رواه الترمذي. يقول الدكتور صالح بن علي: «ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشرية يحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كل إنسان مسلم معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظا تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر». ولقد اقتضت حكمة الله تعالى في أرضه، أن يكون المسلم خليفة الله تعالى في أرضه، ينشر الخير ويعمر الأرض بعطائه وتسخيره لطاقاته في كل ما يرضي الله تعالى.
إن حب الوطن ليس مجرد صدفة أو عبث يجعل المرء يتعالى عليه وعلى إنجازاته، ويحتكر مساحات الفرح فيه، بل هو أكبر من أي أفكار ضيقة، وأكبر من أي تحزب أو فئوية تجعله يدور في محيط لا منتهى له، إنه حب يفرض عليك أن تكون «صمام أمان» لهذه الأرض التي احتضنتك، صمام أمان لكل مساحاتها وإنجازاتها، فلا تقبل أبدا أن تظل هذه الأرض الطيبة موطن العبث والتخريب والفوضى، فوضى خارجة عن أصول العادات والتقاليد الأصيلة التي توارثناها من آبائنا وأجدادنا، فوضى تستبيح كل شيء، تعيث في الأرض فساداً ودماراً وتخريباً، عبث في الشوارع وفي الممتلكات، وكتابات مسيئة على الجدران، عبث مازالنا نبصر فيه صور الشقاء والألم منذ تلك الفصول المخيفة عام 2011 والتي جرعتنا غصص الآلام والأحزان، فصول كانت خطوة ساذجة ومريبة لقلب «الوطن الحبيب»، لقد استمرت تلك اللقطات حتى فترات من حياتنا، ظننا أننا انتهينا منها، ولكنها مع الأسف الشديد لاتزال تأخذ طابع العنفوان وتتسبب في إسالة الدماء وزهق الأرواح البريئة.
لقد استطاع التيار الفاتحي الكبير آنذاك أن يكشف عن وجهه المشرق الباسم أمام العالم بأجمعه، فلم تخرجه الانتماءات الفئوية، بل خرج من أجل أن يثبت للعالم بأنه القلب النابض لوطنه، المتلاحم مع قيادته، لا يقبل بأي حال من الأحوال أن ينهش في بنيانه تلك الجرثومة المميتة التي بثتها في أرضنا قوى الشر والفساد، والتي لا تريد الخير لهذه الأرض الطيبة.
إن تيار الفاتح الكبير وشعب البحرين الأصيل أقوى اليوم من أي وقت مضى، ومهما اختلفت الآراء وتعددت الرؤى، فسيظل قوياً بأصالة أهله مهما اختلفت التوجهات، ولعل ما يقوم به البعض من «التصيد في الماء العكر» للنيل من أطراف مهمة في تيار الفاتح، واستغلال بعض «موجات الفتنة» التي يبثها البعض هنا وهناك على وسائل الإعلام، هو في حد ذاته أسلوب خاسر في ساحة الوطن، ذلك لأن الذي يضحي ويدافع ويخدم وطنه في كافة مناحي الحياة هم أناس سخروا حياتهم لله تعالى من أجل أن يزرعوا الخير في وطنهم، ويحرصوا على أن يرفعوا علمه خفاقاً في جميع الميادين وعلى مختلف الصعد.
إننا اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتكاتف والتآزر والتعاضد مع بعضنا بعضاً، وبالتلاحم مع قيادة الوطن لدحر مؤامرة الانقلاب المشينة التي استطاع التيار الفاتحي منذ سنوات في دحضها بتكاتفه وحبه لقيادته وتلاحمه معها، الأمر الذي جعل الجميع يعرف أن البحرين ستظل عصية على كل من يتربص بها ويريد بها الشر المستطير، بحاجة بأن نتلاحم مع قيادتنا حبا لوطننا، ونضع يدنا معها من أجل صالح الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره ومنجزاته، والمساهمة في الدفع بعجلة التغيير والتطوير والازدهار إلى الأمام.
إننا اليوم في أمس الحاجة بأن نظل صفاً واحداً أمام كل الحاقدين والمتربصين، ونعيد مساحات الفرح والخير والترابط بين أهل البحرين، ذلك الترابط الجميل الذي عرف عن أهلها، فلم نكن نسمع من قبل بمفاهيم الطائفية التي استغلت أوراقها اليوم في تفتيت تلاحم الشعوب، وإثارة النعرات والحقد والكراهية وإسالة الدماء. نحن بحاجة ماسة لتصفية الأجواء الداخلية من كل من يساهم في زرع الفتنة والتحريض على العنف وكراهية النظام، ومن كل من يشق الصف بنشر الأكاذيب ويتعرض بسوء للتوجهات والشخصيات الوطنية الصادقة المحبة لوطنها.
ستبقى البحرين بعون الله خلية حية نابضة بالحب والعطاء والسلام جيلاً بعد جيل، مهما حاول البعض أن يحولها إلى «ظلام دامس»، ستظل «درتي الحلوة» التي أحبها، حفظك الله يا وطن المحبة والسلام.