حرَّكَتْ صورة مثيرة ومؤلمة للغاية نشرتها إحدى وكالات الأنباء العالمية، لطفلة صغيرة من غزة، وهي تضع قدميها تحت حرارة دُخَان عادم السيارات «القزوز»، في محاولة يائسة وبائسة لطرد شبح البرد القاتل عن قدميها الناعمتين، وذلك بعد أن غمرت أطنان الثلوج القطاع، في مشهد يعرِّي كل العرب ويفضح زيف وقوفهم الخدَّاع مع الإخوة الفلسطينيين.منذ أسابيع خلت كان قطاع غزة بلا كهرباء ولا ماء، وكانت كل الاستغاثات والتحذيرات تصب في خانة «الخطر قادم»، لكن لأن العرب، كل العرب، مشغولون بقضاياهم وأوطانهم، وها هي نتائج ذلك التجاهل تثمر اليوم بطريقة مخزية.أطفال غزة وكبارها بدؤوا بالفعل في التفتيش عن كل ما يمكنه أن يسدّ رمقهم ويبلّ عروقهم في المزابل وحاويات القمامة، ولم تكن سوى سويعات قليلة تفصلهم عن مشاهد فيضانات الأمطار، فتركوا البحث عن الطعام ليبحثوا لهم عن مكان يعصمهم من الماء، ولم يكتمل المشهد الأخير، حتى انهالت الثلوج على رؤسهم وفوق منازلهم وطرقاتهم لتتعقد معها خارطة الطريق أكثر وأكثر.الوضع في غزة اليوم ينذر بكارثة إنسانية عظيمة، بينما العرب يعيشون الملهاة الكبيرة، فيعقدون المؤتمرات في أفخم فنادق العالم على الإطلاق، ويقومون بإرسال مساعداتهم للمناطق الخطأ، لكن صورة الطفل ذي الخمسة أعوام وهو يحفر بيديه الناعمتين أكوام الزبالة لأجل لقمة تجنبه ويلات الجوع، فهذا ليس بالأهم ولا بالمهم عند العرب.حين نعتاد مثل هذه المشاهد المؤذية للضمير التي تصلنا من غزة فلا يهتز لنا جفن، فإننا في الحقيقة أموات، لأن الحي يشعر ويتحسس ويخاف ويقلق ويبكي وتتحرك كل مشاعره وأحاسيسه، وبعد كل ذلك يقوم بما يُمليه عليه ضميره، أما نحن فالموت هو عنوان مسيرتنا في الدفاع عن إخوة لنا في وطن يرزح تحت وطأة الكيان الصهيوني الغاصب.إن طوفان مياه وادي السلقا، وإجلاء السكان الذين يقطنون في منطقة بركة الصفطاوي بعد ارتفاع منسوب المياه بالمنطقة إلى مدرسة برير وبن زيد، إضافة لكل النداءات والاستغاثات المؤلمة التي أطلقها أهالي شارع النفق بعد أن غمرت مياه الأمطار منازلهم، أدى كل ذلك إلى انقطاع الكهرباء عن القطاع وانقطاع آخر صيحات الاستغاثة من غزة.في ظل هذا العجز الفلسطيني والصمت العربي، قامت قوات الاحتلال الصهيوني بعد ساعات من فيضانات مياه الأمطار بفتح سدود المياه في منطقة «المغراقة» مما تسبب بغرق الكثير من منازل الفلسطينيين بالقطاع، وكأن ما ينقص الغزي هو هذا السلوك الإجرامي الصهيوني ليكتمل مشهد الألم.تجمد القطاع وتجمد الماء وتجمدتْ العروق وتجمدتْ المساعدات، ومع كل هذه التجمُّدات لم تتجمد مشاريع الاستيطان. إنه التحدي الذي كُتب على أهل غزة، إنها ضريبة الكرامة والعزة والنصر، فصبراً آل غزة إن موعدكم الجنة.