منذ عام 2005 وللعام التاسع على التوالي يتكفل مجلس التنمية الاقتصادية بتمويل مهرجان ربيع الثقافة، وهو يفعل ذلك وفق ما عبر عنه وزير المواصلات القائم بأعمال الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية كمال أحمد من أن «الثقافة تعكس وبكل فخر الوجه الحضاري العالمي للمملكة بكل ما فيه من انفتاح وتنوع، وهو ما نراه مترجماً في البرنامج الحافل للمهرجان..». غير أن برنامج ربيع الثقافة لهذا العام، كحاله في الأعوام الثمان السابقة لم يعكس الوجه الحضاري العالمي لمملكة البحرين، بقدر ما اختير ليعكس رغبات وتوجهات وزارة الثقافة من ناحية، ومنتوجات وفنون عدد من دول العالم التي تم استقدام الفرق والفعاليات منها. فما يقصده مجلس التنمية الاقتصادية وما عمل من أجله منذ إنشائه في العام 2002 هو الترويج للبحرين، أي باستقطاب المستثمرين والزوار والسائحين من أجل إقامة مشروعات خاصة أو مشتركة مع جهات بحرينية، أو الاطلاع والتفاعل مع ما تزخر به البحرين من إمكانيات اقتصادية وثقافية وسياحية وتراثية، وما يتضمنه برنامج مهرجان ربيع الثقافة لايجسد هذا التطلع، ولا يلبي طموحات المجلس. من أجل الترويج للبحرين، ولهذه الإمكانيات يخصص مجلس التنمية الملايين من الدنانير كل عام، يذهب منها بين 3 إلى 5 ملايين دينار لتغطية مصروفات مهرجان ربيع الثقافة، وهي المصروفات الخاصة بتكاليف الفرق الأجنبية، بالإضافة إلى الحملة الإعلانية التي تتراوح مصروفاتها بين 70 ألفاً و 100 ألف دينار. أما الفعاليات المحلية التي تضمنها برنامج المهرجان فلا تساوي شيئاً أمام الزخم والانبهار والاهتمام الذي حظيت به الفرق والفعاليات الأجنبية، فمنها ما هو متعارف عليه سنوياً مثل معرض البحرين للكتاب ومهرجان التراث السنوي، وما هو تحصيل حاصل مثل بعض المعارض التشكيلية، ومعرض الغواصين، أبرز الفعاليات المحلية هو «عزف أغانٍ شعبية أمام شجرة الحياة في 5 أبريل القادم» أي بعد انتهاء موسم التخييم، ومن ثم البحث عمن يتحمل العناء ويذهب إلى هناك...وبالتالي فإن الذين سيحضرون فعاليات الثقافة هذا العام، كما الأعوام الماضية، سيفعلون ذلك من أجل مشاهدة الفرق الأجنبية، فليس هناك ما يشدهم لمتابعة الفعاليات المحلية، وأن مجلس التنمية الذي دفع الملايين من أجل الترويج للفنون البحرينية، وتعريف الآخرين بها، وبالثقافة والتراث البحرينيين، سيكون قد صرف هذه الملايين من أجل الترويج لفنون دول أخرى....وكما قلنا من قبل إن البحرين زاخرة بالفنانين من مطربين وموسيقيين معروفين، ولديها فرقة موسيقية وطنية صرفت عليها الدولة الكثير من أجل إعدادها وقدمت الكثير من الأعمال الموسيقية والغنائية قبل أن تنفيها وزيرة الثقافة إلى وزارة الإعلام ويتم تجميد الفرقة والعاملين فيها..والبحرين معروفة، وتكاد تنفرد من بين دول الخليج وحتى الدول العربية بتميزها في فنون البحر، ومازال هناك الجيل الثاني من الفنانين البارزين في هذا الفن، والذين عملت بعض الدول الخليجية على استقطابهم، وذهبوا إلى هناك بعد أن أهملتهم البحرين، كما أهملت الفرق الفنية التي بقيت سنوات طويلة تحيي فنونها التراثية في الدور. والبحرين بها فرق مسرحية هي من أعرق الفرق على مستوى الخليج، حصدت الجوائز، وتعلم المسرحيون الخليجيون من أعضائها، وتصادف هذه الأيام أن يقيم مسرح أوال مهرجانه السنوي دون أن تلتفت إليه وزارة الثقافة فتحتضن المهرجان وتدخله في برنامج ربيع الثقافة، لتقول للعالم إن البحرين لديها مسرح لن يقل أهمية ومستوى عن المسرح في تركيا ولبنان وغيرها من الدول التي التصق بها ربيع الثقافة. لو عمل مجلس التنمية طوال السنوات التسع من عمر ربيع الثقافة على تخصيص عشرات الملايين من الدنانير التي صرفها على استقطاب والترويج للفرق الأجنبية، عمل على دفعها للفرق البحرينية الموسيقية والتراثية والمسرحية، وعلى تطوير هذه الفرق، وإبراز المطربين والفنانين في الداخل والخارج، لأصبحت البحرين اليوم الأولى والأشهر والأكثر ترويجياً إقليمياً على الأقل. أما ما صرفه المجلس من أموال حتى الآن فلم يخدم البحرين ولم تروج لها، ولم تحقق أي مردود مادي أو معنوي لها، وإنما روجت لمزاج وزارة الثقافة وخدمت أهواء المسؤولين في هذه الوزارة.