حتى هذه اللحظة؛ لم يفق العرب من الضربات المتتالية التي وجهها ويوجهها إليهم العدو الحقيقي عبر التاريخ القديم والحديث، ولأنهم عاشوا في تشرذم طيلة قرون من الزمان، كان ذلك دافعاً لأعدائهم أن ينالوا منهم ثرواتهم وتشتيتهم وسرقتهم، حتى باتوا في الصفوف الخلفية جداً من الركب البشري.ولأننا أمة اعتادت أن تكون كل سلوكياتها ردود أفعال خالصة، أصبحت هذه الممارسات جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا وعاداتنا العربية الأصيلة، ومن هذا المنطلق بتنا لا نستطيع صناعة أي فعل على الأرض. أزماتنا تترى بين الفينة والفينة، وما نكاد نفيق من أزمة إلا وهنالك أزمة أكبر منها في انتظارنا، فنحن أمة لم تتنفس الصعداء طيلة تاريخها، لأننا نحن وليس غيرنا من وضع نفسه موضع المنهزم، ومن هنا كان لزاماً علينا أن نتقبل تبعيتنا للأجنبي في كل خطوة نخطوها نحو المستقبل، فمصيرنا ليس بأيدينا بل بأيديهم؛ حتى يُحدث الله أمراً كان مكتوباً!اليوم وبعد أن فتت الربيع العربي كل أركان وطننا العربي وأنهكه على «الفاضي»، وعلى خلفية كل ما ذكرناه آنفاً، وجدنا أنفسنا في مستنقع الآخر / المستعمر، لا نستطيع الخروج منه إلا بإرادته، لأننا تعلمنا الاستعانة به في كل أزماتنا، وها هو يتفرج علينا في انتظار أن نلوح له بالعلم الأبيض كي ينقذنا، وإلا ما هو تفسير أن تظل الحكومات العربية وشعوبها رهائن في أيدي الأجنبي؟ وكيف إلى الآن لم يتمكن العاجزون منَّا أن يتخذوا قرارهم بمفردهم دون أخذ الإذن من الغازي؟ وما تقولون في أن تظل كل مخارج أزماتنا السياسية مرهونة بحل الأزمات الإقليمية والدولية؟ وكيف تتعطل الحلول السياسية الداخلية لدول عربية أوسطية بانتظار ما تتمخض عنه أزمة «القرم» بين واشنطن وموسكو؟!ما لنا نحن والقرم؟ ما لنا وأوكرانيا؟ ما لنا والمفاعل النووي الإيراني؟ ما لنا وما يحدث في جنوب القارة الأمريكية؟ لكنها التبعية للغرب والشرق، ولأننا لم نستطع الاستقلال في اتخاذ قراراتنا الداخلية، وجدنا أنفسنا أسرى في أيدي القضايا الدولية، فحين تُحل تلك الأزمات ستُحل أزماتنا تباعاً لها، وإلا سنبقى ننتظر أن تحدث معجزة سياسية تنتشلنا من واقعنا الذليل.قل لي؛ أي من الدول العربية اليوم تستطيع أن تحل مشاكلها بعيداً عن الأجنبي؟ أي من دولنا تستطيع أن تعالج ملفاتها الداخلية بصمت دون أن يعلم بها كل العالم؟ مَن من الدول العربية تستطيع أن تفك مشاكلها الداخلية وتفصلها عن لعبة الأمم الأخرى؟نحن اليوم أصبحنا مسيَّرين لا مخيرين، والفضل لذلك يعود إلى ثقافتنا غير المنتجة، وإلى واقعنا الاستهلاكي الصرف، وإلى حكومات وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار الذي رحل عن أراضينا لكنه لم يرحل من عقولنا!