على عكس المعلق الرياضي بمباريات كرة القدم الذي يكون متواجداً في الملعب ليصف المباراة التي تنقل على الهواء مباشرة ويوفر من المعلومات ما يعتقد أنه يعين المتابع على التفاعل مع أحداث شوطيها؛ على عكسه تماماً هو المعلق على المصارعة الحرة، الذي يرتاح في الأستديو ويصف ما يدور بين المتصارعين. أما الفارق بين المعلقين فهو أن الأول وبسبب تواجده في الملعب يكون معرضاً لما قد يتعرض له جميع الحاضرين، بينما الثاني يجلس محصناً في أستديو لا يصل إليه حتى الصوت.حال أولئك الذين اختاروا العيش في الخارج هو حال المعلق على المصارعة الحرة، والذي يكون في مأمن بنسبة ألف في المائة من أي ضربة قد تضل طريقها بين المتصارعين، والذي في تعليقه يمكنه قول ما يشاء، فيدعو المصارع الذي يؤيده إلى توجيه الضربات إلى خصمه وهو ممتلئ حماساً.المعلق القابع في الأستديو لا يصيبه «الراش» أبداً، لذلك فإنه يقول ما يشاء، و»المعلق» القابع في لندن وغيرها من العواصم العالمية يستمتع بالوضع نفسه، فدوره لا يتجاوز التحريض والتشجيع والوصف والتصريح. بهدوء -وهو يأكل المكسرات أو ربما يشرب المنكر- يرسل التغريدات إلى الذين يدخلون في مواجهات مع رجال الأمن ليفعلوا ويفعلوا ويحثهم على عدم الخوف وعدم التراجع، ويشجعهم على الظفر بـ «الشهادة»! يفعل ذلك متحمساً لا لأنه بعيد عن موقع الحدث فقط وأنه لا يمكن أن يصاب بأي سوء؛ ولكن لأن عياله الذين معه محروسون ومحصنون، ولأن من قد يكون محسوباً عليه في الداخل لديه تعليمات بعدم الخروج والبقاء مختبئاً خلف مشمر أمه، فالذين قد يخسرون حياتهم ومستقبلهم هم «عيال العبدة». المختبئون في الخارج لا يتوانون عن شحن البسطاء في الداخل وحثهم على عدم التراجع ويسبغون عليهم من النعوت ما لا يعد ولا يحصى، ولا يترددون عن التعبير عن حسدهم على حصولهم على هذه الفرصة لنيل الشهادة أو لتسجيل موقف وطني، بل لا يترددون عن التعبير عن حسرتهم بأنهم بعيدون عنهم، وأنهم حيث يختبئون يقولون «يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً»!طالما أن أبنائي في أمان، وأنا وزوجتي ومن يعنيني أمره بعيدين عن حيث تدور المواجهات فلن أتأخر عن التحريض والإصرار على الدخول في مواجهات والخروج في مسيرات يومية نهارية وليلية. هذا وضع انتهازي ويعبر عن أنانية لا مثيل لها، لكن للأسف لا ينتبه إليه أولئك الذين هم وقود تلك الأفعال، فهم لايزالون في»سكرتهم» التي من الواضح أنهم دون القدرة على أن يفيقوا منها بسبب الشحن المستمر والتحريض والاستمرار في تزيين الدولة الممتلئة عدلاً «بعدما ملئت ظلماً وجوراً». من يقول من «معلقي المصارعة الحرة» القابعين في الخارج إنه يناضل وإن لديه رسالة وإنه ثوري وإنه رجل فليأت إلى الداخل وليشارك في الأفعال التي اختار التعليق عليها من بعيد ليذوق ما يذوقه يومياً أولئك المغلوبون على أمرهم، والذين للأسف لن ينتبهوا إلى أنهم ليسوا سوى وقود لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل إلا متأخرين، وبعد أن يفوت الفوت. البقاء حيث لا يمكن أن تصاب «القرعات» بسوء والاكتفاء بدور التحريض والشحن واعتبار ذلك نضالاً، أمر ينبغي أن يلتفت إليه هؤلاء الذين لا يتأخرون عن تنفيذ ما يراد منهم حالمين بالدولة التي لا تأتي. التعليق من أستديو الخارج ليس فيه رجولة ولا يمكن أن يحسب نضالاً. الرجولة هي أن يأتوا إلى الداخل ويقولوا «ها نحن» كي يعرف العالم الفتى منهم. ما يقوم به أولئك المتدثرون باللحاف في الخارج حرام، وكل من يفقد حياته في الداخل بسببهم هو في ذمت
Opinion
سكر المحرضين وسكرة المخربين
09 يونيو 2014