يبدو أنه من الصعب أن تقنع غالبية مؤسسات الدولة أن الحكومة الورقية ولت بلا رجعة، وأن الحكومة الإلكترونية هي حكومة اليوم وحكومة الغد، أما الأوراق فإنها أصبحت غير صالحة للاستخدام الحكومي، لكن، مع وجود جيش من الموظفين والمسؤولين الورقيين القدامى، سيظل الورق هو الذي يتحكم في كافة معاملات الحكومة والجمهور معاً.من المهم أن تتحرر سلوكيات وأفكار وممارسات المسؤولين في المؤسسات الرسمية من مسألة «الورقة»، وأن عليهم أن يعوا أن الورق أصبح من الماضي، لأنه وفي حال ظلت العقلية متعلقة بالورق ومشتقاته، فإنك لن تتمتع بخدمات جيدة وسريعة ومتطورة، بل ستظل المعاملات مكدسة في رفوف الوزارات حالما يتم إدخالها في»السيستم»، وإذا تم إدخالها وجاء وقت تنفيذها، تنصدم أن الموظف يطلب منك أن تحضر معك الأوراق من جديد!في الوقت الذي يستطيع المواطن الياباني أن يجدد جواز سفره -وهو أعلى وأهم وثيقة حكومية على الإطلاق- في ثلاث دقائق، تتفاجأ في البحرين أن هنالك طوابير بشرية من المواطنين والمقيمين كالقاطرات يصطفون من أجل ملء استمارات تافهة، ترمى في نهاية الدوام في «الزبالة». استمارات غبية ومملة ومكررة، كلها وبجميع فئاتها تعتبر مضيعة للوقت وتصريفاً سيئاً للمال وتفتيتاً للأعصاب، بينما يمكن أن تحل محلها مواقع إلكترونية راقية جداً يستطيع من خلالها الجمهور أن يؤدي غرضه بضغطة زر.الأمر الآخر الملفت للنظر هو عدم ربط معلومات المواطنين عبر شبكة إلكترونية موحدة كقاعدة للبيانات بين كل مؤسسات الدولة، والدليل على هذا الأمر، هو أنك حين تقوم بإجراء معاملة في إحدى الوزارات يطلب منك الموظف مثلاً نسخة من الجواز، ونسخة من البطاقة الذكية، ونسخة من عقد الزواج، وصورة شخصية، ونسخة من ملكية الأرض أو المنزل، ونسخة ونسخة ونسخة، ومن هنا نتساءل؛ لو كانت هنالك قاعدة بيانات إلكترونية بين كافة مؤسسات الدولة؛ هل يمكن لموظف»عاقل» أن يطلب منك إحضار كل هذه الرزم من النسخ؟ لو»أن المسألة هي بس للتطفيش ورفع ضغط الناس وتضييع وقتهم»؟إذاً هنالك خلل ما، كما هنالك حلقة مفقودة في هذا الأمر، فإما أن تكون قاعدة البيانات غير متوفرة بين كافة المؤسسات الرسمية أو أن البيانات حاضرة ومتوفرة لكن نظام المؤسسات مازال جباناً، ومتردداً في أن يستغني بصورة نهائية عن «الورقة»، وفي كلتا الحالتين تعتبر المشكلة قائمة، ويجب حلها من طرف الجهات المسؤولة عن ربط قاعدة البيانات مع مؤسسات الدولة.عشرات الشكاوى تصلنا من طرف المواطنين والمقيمين أيضاً، كلها تتحدث عن»البهدلة» التي يعانونها من عدم توفر البيانات الخاصة بهم في كل المؤسسات الحكومية، أو أن تكون البيانات غير متطابقة بين الوزارات جميعها، أو بينها وبين المعلومات المسجلة في الوثائق الورقية، مما يعني مزيداً من إهدار الوقت وإربكاك الجمهور.هنالك تجارب حديثة ومتطورة في المنطقة والعالم في مجال الحكومة الإلكترونية يجب أن نستفيد منها بطريقة مثالية، لأن الوضع المعلوماتي عندنا أصبح لا يطاق، ولربما يمكن أن نصف حالنا مقارنة بدول مجاورة بالمتخلف، فقليل من الإحساس وكثير من الرحمة يا عباد الله الورقيون