المتعارف عليه بحرينياً أن ديوان الرقابة المالية والإدارية يصدر تقريره السنوي، وتعقبه ضجة كبرى، وتتلاقفه جهات كثيرة أولها الصحافة التي تركز على تكرار ارتكاب المخالفات والتجاوزات فيه دون توقف ولا اتخاذ إجراء عقابي رادع، ومنها الحكومة التي تشكل لجنة تحقيق مع نفسها -أي مع وزارات وشركات وهيئات الحكومة- وتنتهي اللجنة إلى وجود مخالفات والكثير من قضايا الفساد. ومن هذه الجهات التي تتحرك بقوة وبزعيق ووعيد وتهديد مجلس النواب الذي يهدد ويعد باستجواب الوزراء المسؤولين عن مخالفات الفساد، وتقديم المسؤولين عن هذه المخالفات للنيابة وللمحاكمة، بل والمطالبة بإقالة الوزير المعني. لكن الضجة سرعان ما تهدأ بلا نتيجة ملموسة، وبلا متابعة، فالحكومة تحدد الجهات المخالفة ونوعية مخالفاتها بما فيها تجاوزات الفساد، لكنها لا تشير إلى المسؤولين في هذه الجهات والذين يفترض أنهم ارتكبوا هذه المخالفات والتجاوزات، فنهب المال العام واستغلاله والتلاعب فيه لا تقوم به وزارة أو شركة أو هيئة وإنما يرتكبه أشخاص في هذه الجهات، وإن كبر تجاوزات الفساد ونهب المال العام هي بمستوى مسؤولين كبار بتلك الجهات (وزراء، وكلاء وزارت، وكلاء وزارات مساعدون) وليس موظفين صغار صلاحياتهم محدودة ومقيدة بأوامر وقرارات وتواقيع كبار المسؤولين. وتعمد ذكر الجهات وليس ذكر المسؤولين من قبل الحكومة هدفه التغطية عليهم، لكن هذه التغطية لا تقتصر على مخالفات تقرير واحد، بل تمتد إلى تقارير لاحقة ما يشجع المسؤولين عن التجاوزات وشبهات الفساد على الاستمرار في نهجهم المحمي والمغطى، وليس أدل على هذه التغطية والحماية من أننا لم نرَ أي مسؤول قدم للمحاكمة عن شهبات الفساد التي تجاوزت في تقرير الديوان الأخير فقط 30 مخالفة، فبعد إحالة هذه التجاوزات إلى إدارة مكافحة الفساد بوزارة الداخلية لم نسمع عنها شيئاً حتى الآن، هل وصلت إلى المحاكم، أم أنها دخلت في دائرة الصمت والحماية. مجلس النواب هو الآخر هدأت ضجته بفضيحة تصويت أغلبية الأعضاء ضد استجوابات الوزراء، وحتى سؤالهم أحياناً، فالمصالح الشخصية طغت كالعادة على المصلحة العامة ومكافحة الفساد والإصلاح الإداري والمالي، أما ديوان الرقابة المالية فهو الآخر يقوم بالتزام الصمت على الجهات المخالفة في التقارير اللاحقة مع أنه الجهة الوحيدة التي يفترض أنها لا تصمت ولا تتستر على الجهات والأشخاص والفساد المذكورين في تقاريرها.