هذه العبارة وردت في بيان ركيك صدر قبل أيام عن جهة قالت عن نفسها إنها تمثل أكثر من مائة شبكة إخبارية «ثورية»، البيان -كما هو واضح- موجه في الأساس إلى جمعية الوفاق ومن معها من جمعيات «تجرأت في حين غفلة»، وقالت إنها ستخوض الانتخابات المقبلة وذلك قبل أن تتدارك وتعتذر وتتراجع بعقد مؤتمر صحافي تم خلاله وضع كمية من الشروط للمشاركة في الانتخابات، قبل أن تركض إلى الخارج طلباً لدعم «الداعمين» وللادعاء بأن الحكومة لا تريد استئناف الحوار ولضمان تحدث البعض من الأجانب في جنيف عن الأوضاع في البحرين واعتبار ذلك إدانة!الأكيد أن عبارة «لا أحد فوق النقد» تعني في تفصيلها أنه لا أحد «من الآخر غير المحسوب علينا» فوق النقد، لأنه ببداهة لا يمكن قبولهم بانتقاد عيسى قاسم مثلاً أو انتقاد أي عمامة أخرى، أياً كان لونها ومهما صغر شأن مرتديها، حيث المقصود هو نقد رموز البلاد وكل مسؤول فيها وكل موالٍ للنظام الذي اهتم البيان الهزيل أيضاً بالتركيز على الدعوة لإسقاطه، وهو ما يؤكد أن هذا البيان موجه بشكل مباشر إلى جمعية الوفاق وكل جمعية سياسية «يقص عليها الشيطان» فتقول إنها تسعى لإصلاحات تتمثل في واحد اثنين ثلاثة ولا تدعو إلى إسقاط النظام. يقولون إنه لا أحد فوق النقد، وفي نفس الوقت يحاربون كل من ينتقد أفعالهم أو ينتقد محرضيهم أو يقول بغير ما يقولون أو لا يحبذ ما يفعلون، يرفعون شعاراً جميلاً، لكنهم يريدون تطبيقه على الآخر فقط الذي لا يتوافق معهم، فالقانون يجب أن يطبق على الجميع باستثناء من لا يجوز انتقادهم لأن انتقادهم يدخل في باب انتقاد الدين! هكذا هو مستوى من شغل العالم برفع صوته والقول إنه في ثورة وإنه يسعى إلى إسقاط النظام وإلى تأسيس دولة الحق والقانون. اليوم أنا وزملائي الكتاب الذين نمارس دورنا الطبيعي في الدفاع عن وطننا معرضون من أولئك للكثير من النقد، فكل ما نقوله خطأ ومردود عليه ويعتبر تجنياً على الناس وانتقادنا وسبنا حلال، لكنهم يرفعون الآخرين من الذين يؤيدونهم فوق رؤوسهم، ولعلهم يعتبرون من ينتقدهم كافراً وخارجاً عن النواميس.جرب أن تنتقد عيسى قاسم أو الخامنئي أو السيستاني أو تنتقد قولاً للخميني ثم انظر ما سيجري عليك ويحدث لك، فالنقد حقك وهو مقدس طالما أنك استثنيت فلاناً وعلاناً لأنهم فوق النقد وفوق كل شيء. النقد المسموح به هو نقد القيادة والحكومة وكل مواطن يقول بغير ما يقوله أولئك وكل جمعية سياسية تنحرف عن أهداف «الثورة»، وأنت في مأمن طالما أنك ميزت في نقدك بين هؤلاء وهؤلاء وطالما أنك لم تستجب لنزغات الشيطان «فوزتك نفسك» لانتقاد من هو اسمه مدون في قائمة ممنوع من النقد.. السرية.ليس انتقاد العمائم ممنوعاً فقط؛ بل كل من هو دونهم علماً وفهماً ومعرفة ومكانة، وحتى من علاقته بالدين محدودة، فهؤلاء المحسوبون عليهم جميعهم «خط أحمر» وانتقادهم يورد النار وبئس المصير!ليس مناسباً استعراض ما احتواه ذلك البيان الذي أصدروه تحت عنوان «وثيقة تجديد العهد» لأنه في كل الأحوال لا يرقى إلى المستوى الذي يمكن استعراضه، وإن كان فعل ذلك من شأنه أن يكشف للعالم أن من أصدره فتية صغار لا يركنون إلى خبرة ويفتقدون كل ما يفترض ألا يفتقدوه وهم يقدمون أنفسهم على أنهم ثوريون.زبدة القول إن هؤلاء ومن يقف وراءهم يريدون أن يقولوا للوفاق ومن معها أنكم خط أحمر طالما كنتم معنا وتقولون ما نقول وتفعلون ما نفعل، أما إذا خالفتمونا فسنزيلكم من قائمة الخط الأحمر.