يعرِّفون الإشاعة على أنها «خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها. دائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة لفضول المجتمع والباحثين، وتفتقر هذه الإشاعات عادة إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار. وتمثل هذه الشائعات جزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها».إن عدم امتلاك المجتمعات العربية أجهزة «فلترة» متطورة لتنقيح وتصفية الأخبار والمعلومات بصورة عامة، إضافة لندرة الوعي الكافي لديها، صنع من هذه المعوقات العربية بيئة خصبة وحاضنة لتقبل وبسط الإشاعات بكل أنواعها، خصوصاً فيما يتعلق بالجانبين «السياسي والاجتماعي»، وخاصة مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، وعدم إمكانية السيطرة على كل المعلومات المتدفقة علينا كالسيل من كل الجهات.في عالمنا العربي ليس صعباً أن يخترع كل منا إشاعته الخاصة التي تعبر عن هشاشة شخصيته وعقده النفسانية، كما ليس من الصعب كذلك أن نصدق الإشاعة، وذلك لفقداننا المقدرة وأدوات الفحص المعرفي لسيل كل تلك الإشاعات الجارفة، ولهذا فإننا رهائن وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أدوات الإعلام الحديث، ولذا أصبحت «الإشاعة» هي السلاح الفتاك الذي يستخدمه الأعداء والخصوم في تضليل المجتمعات العربية، وتمويه الحقائق والمرتكزات القيمية، ومن هنا نجد أن غالبية العقول والقلوب باتت مخترقة بفعل هذه المعركة الشرسة التي تدار عبر أجهزة المخابرات العالمية وغرف التضليل الإعلامي، وعبر الكثير من القوى السياسية والدينية والراديكالية والرسمية في وطننا العربي وحتى غير العربي.من الصعب اليوم، خصوصاً ونحن في عصر تدفق المعلومة، أن نسيطر على الإشاعة أو نقبض على الحقيقة في أوساطها بيسر وسهولة، فهي أقوى الأسلحة على الإطلاق، خصوصاً في زمن انهيار المنظومات الدفاعية للعقل العربي، ومن هنا فإن أخبث الأذكياء العرب والمسلمين ومعهم كل قوى وفلول الاستعمار الصهيوني والغربي، أصبحوا يروجون أكثر الإشاعات فتكاً وشراسة وغلاظة، تلك الإشاعات المرتبطة بالعقائد والمذاهب والأفكار، والتي تعتبر من أبرز مقومات المعارك الدينية والعقائدية، وهي البوابة السلسة لتمرير ملاحم الفتن.إن أكثر من يروج للإشاعة هو الشخص»المنهزم» والجهة «المهزومة»، فالقوي والثابت على مواقفه الحقة لا يمكن له أن يروج للإشاعة أو أن يستخدمها في معركته ضد الآخر، وإنما من يقوم بهذا الأمر هو الإنسان الضعيف العاجز عن مواجهة الخصم، فيقوم برمي خصمه بكل ما يمكن أن يرميه به من رذائل وسوء خلق، حتى يشكل وعياً سلبياً في أذهان المجتمعات غير المحصنة أصلاً ضد الإشاعات، وبهذا تتحقق نتائج الإشاعة من دون تضحيات بالنفس والمال والأهل، أو حتى من دون سفك قطرة دم واحدة من طرف المروج لها.لكن من المؤكد أن من يقوم باستقبال الإشاعات وتصديقها والإيمان بها هو الذي سوف يتضرر قبل أي طرف آخر، وسوف تحرقه نارها ويكتوي بلهيبها. إن دعاة الفتنة هم أنفسهم دعاة الإشاعات أيضاً، وإن ضحاياهم هم مجموعة من العبيد السذج الذين لا يملكون إرادات حقيقية ولا «فلاتر» ولا أي تحصينٍ ضد الباطل وأدواته، ولهذا فإن كل ما نراه من انهيار عربي فاضح هو بسبب تلك الإشاعات التي بتنا نتنفسها كل دقيقة عبر «فيس بوك وتويتر وواتس اب» وغيرها الكثير، وكذلك عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وهذا لم يكن يحدث لو كنا نملك تحصينات دفاعية قوية ضد كل أنواع الإشاعات، فالإشاعة حيلة العاجز، وهي حيلة الكسول الذي لا يريد أن يفتش عن الحقيقة ما بين ركام المعلومات، فيظل «كالبهيمة» السائبة ينطلي عليه كل شيء.