من لا يرى أن وزارات الدولة لا تعمل بصورة مطلقة فإنه يجانب الحقيقة بالمطلق، فلولا عمل المؤسسات الرسمية في الدولة لما قامت البلد، ولا رأينا عمراناً أو نهضة، حتى ولو كان ذلك الأمر صغيراً، فالدولة، أية دولة، لا يمكن لها أن تسير على «البركة»، حيث العمل هو الذي يسيرها وينظم كل مناحي الحياة فيها.هذا الأمر لا خلاف عليه، ومن يقول عكس ذلك، فإننا نراه متطرفاً في طرحه وانفعالياً في آرائه ومندفعاً في نقده، لكن ما يمكن الحديث عنه هنا هو أن هنالك بعض من المؤسسات الرسمية اليوم لا تعمل بطريقة جيدة، كما تحمل في مسيرة عملها الكثير من العيوب والنواقص والأخطاء، وقبل تصحيح كل هذه الأمور السلبية يجب أن تعترف تلك المؤسسات بجوانب الضعف والنقص فيها، حتى لا يكون البناء قائماً على تلكم الأنقاض والأخطاء.مشكلتنا تقع بين فريقين اثنين؛ فريق يرى أن كل الوزارات لا تعمل، وفريق يؤمن أن الوزارات معصومة عن الخطأ. إن هذا التطرف من الجهتين يمنع البناء والتطور، فالأول يعتقد ببطلان عمل كل الوزارات، والثاني يمجد ويسبح بحمد كل الوزارات، وهذا من شأنه أن يرسل رسائل سلبية تمنع من تحسين أداء تلك المؤسسات.ربما ينفعل البعض من الناس حين تصادفهم بعض المواقف العمليـــة، فيحكمـــون من خلالها على أن هنالك قصوراً واضحاً في أداء المؤسسات الرسمية، فيتهمونها كلها دون استثناء بتعطيل مصالح المواطنين، وربما نلتمس العذر لهذه الاتهامات أو الانفعالات من جهة الجمهور الذي يتوقع أن تكون الخدمات في القرن الحالي كما ترسمها له تلك الجهات على أنها مثالية، فيصدم بعكس المتحقق، لكن ما لا يمكن أن نتقبله في هذا المجال هو أن يرى العاملون في تلك المؤسسات الرسمية أن مؤسساتهم هي مؤسسات محصنة من الخطأ والقصور؛ بل وعبر كل مسيرتنا في الصحافة لم نجد وزارة أو وزيراً أو حتى مسؤول وقف أمامنا بكل جرأة ليقول بشجاعة المحب لوطنه «نحن أخطأنا وقصرنا».ولم نجد مؤسسة من مؤسسات الدولـة اعتذرت عن بعض الأخطـــاء البشرية التي يمكن لأي شخص أن يرتكبها، بل بدلاً من كل ذلك نجد أنهم ينافحون ويناكفون في الدفاع عن الأخطاء، بل ويتبنونها أيضاً ويبررونها تحــت مسميات لا تليق بمؤسسات رسميـــــة، وبهذا فإنهم يجملون العيــــوب ويتسترون على الأخطاء، وبذلك فإنهم يقعون في الفساد من حيث لا يشعرون.لا توجد وزارة معصومة عن الأخطاء ولا يوجد وزير برتبة «نبي»، ومن هنا فليعلم كل العاملين في العلاقات العامة الرسمية في البحرين أن دفاعهم المستميت عن أخطاء الوزراء والمسؤولين أصبح أمراً من الماضي، فالناس اليوم أكثر وعياً من أن يقوم موظف متخصص في «مسح الجوخ» بتلميع أخطاء مؤسسات تفوح من كل جوانبها رائحة التقصير والفساد، بل الأدهى من كل ذلك أن يأتي تقرير ديوان الرقابة الإدارية والمالية ليؤكد وجود فساد في مؤسسة من المؤسسات الرسمية، لنرى بعد كل ذلك أن يقوم موظف عادي يعمل في قسم العلاقات العامة ليدافع عن مؤسسته بطريقة تبعث على الشفقة، لأنه تربى على نمط سيئ في مهنته، وهو التلميع والتصبيغ والتصفيق سواء للإنجازات أو الإخفاقات، فهو في النهاية لا يفرق بين الناقة والجمل، وهذه بداية مصائبنا الرسمية.