من أكثر ما يمكن أن يشد انتباهك في عصر العولمة الذي نعيشه عندما تسمع أن إحدى الهوايات لشاب عربي في العشرينات من عمره يرتدي سرواله الجينز المرقع وبلوزة تحاكي لغة العصر وينتسب إلى إحدى الجامعات الغربية في بلده العربي هي «القراءة» !!! باعتبار أن القراءة أصبحت هواية قديمة جداً تعود لأيام الزمن الجميل، وما يمكن أن يزيدك استغراباً عندما تعرف أن اللغة القريبة إلى قلبه هي اللغة العربية.   لذلك فقد أثارني غبطة وسعادة لا متناهية عندما قرأت مقالاً من فترة وجيزة بعنوان «لغتنا العربية الجميلة تنتشر في كندا» للدكتور إلياس خليل زين، فالمقال من العنوان يدفعك بأن تقرأه بشغف كبير حيث يذكر فيه: «في الوقت الذي تشهد فيه لغتنا العربية تراجعاً غير مسبوق إجمالاً، في جامعات ومدارس بلداننا العربية، لمصلحة اللغات الأجنبية الحية، نجد، في المقابل، ظاهرة جديدة تتمثل في نجاح تجربة نشر اللغة العربية وآدابها وثقافتها في جامعة أوتاوا، في كندا، وكذلك في بعض جامعات الولايات المتحدة. فمن هو الذي وراء هذه التجربة الناجحة، في نشر لغة الضاد وآدابها وتعزيزها في كندا والولايات المتحدة الأمريكية؟ الأستاذ الدكتور عبدالله جرجس الحاج عبيد، المؤسس الرئيس لكرسي الدراسات العربية في جامعة أوتاوا (كندا) وأستاذ اللغة العربية فيها، هو أحد الأدمغة العربية المهاجرة من شمال لبنان إلى كندا، إبان الحرب الأهلية في لبنان «1975-1990». كان عبدالله، الذي يحمل شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية، قد لاحظ غياب مدارس تعنى بتعليم العربية لأبناء المهاجرين الجدد. وعليه، تقدم بطلب إلى جامعة أوتاوا، التي تعتبر من كبريات مؤسسات التعليم العالي في كندا، لتعليم اللغة العربية وآدابها فيها. فوافق عميد كلية الآداب على الطلب، ومنحه سلطة تنفيذ مشروعه الرائد من نوعه. بقراءتي للمقال استحضر في ذهني قباحة المواقف التي أصادفها بين الفينة والأخرى في الأماكن العامة وتستشيط غضبي عندما أسمع أماً تتكلم مع ولدها بكلمات أجنبية بقواعد خاطئة أو بلفظ «مش صحيح»! معتبرة أنها بهذه الطريقة سوف يتم النظر إليها بنظرة رقي واحترام. ولكن في المقابل، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا سينقص مني لو تكلمت مع ولدي بلغة الأرض التي يعيش عليها؟ فلغتنا العربية في مجتمعنا العربي بدءاً من الكبير للصغير من لها؟للأسف فإن كثيرين يملكون ويدافعون عن الاعتقاد الخاطئ أنه كلما تحدثنا يميناً ويساراً بلغة أجنبية فإن قيمتنا الثقافية سوف ترتفع ويزيد احترام الناس لنا وسوف ينظرون بنظرة تعجب واندهاش. ولاشك بأن حضورنا سوف يكون أقوى في المجتمع. هذه الأمور ممكن أن تكون حقيقة بلاشك في حال أن هذا المتحدث موجود في بلدٍ اجنبيٍّ حقاً أو أنه متواجد ضمن مجموعة أجنبية. فهو على ضلالة حقاً من يعتقد أن اللغة هي مقياس ثقافة وتحضر، بل الحقيقة تقول إن اللغة هي علم مثل باقي العلوم ومعرفتك لها تزيد من علمك وليس من ثقافتك ورفعتك الاجتماعية بين البشر.   وصدق من قال: من علم لغة قوم أمن مكرهم. وهذه حقيقة لا يمكننا الجدل بها. ولكنه لم يذكر أن وزنك الاجتماعي سوف يزداد ثقله؟؟!!