لكونه قارئ هضم بإمعان محتويات كل صندوق أسود للكوارث التي تحطمت على ضفتي الخليج العربي طوال الستين عاماً الماضية؛ لم يجد الشيخ صباح الأحمد -حفظه الله- بوصفه رئيساً لقمتي مجلس التعاون والقمة العربية الأخيرة؛ لم يجد بداً من استخدام شكل من أشكال السبر يعرف بالاستطلاع بالقوة «Reconnaissance in Force» بهدف الحصول على معلومات هامة عن غريم يستخدم سياسة التكتم والضبابية، فزار طهران في الأول من يونيو 2014 بحثاً عن انفراجة في العلاقات بين الخليجيين والعرب وإيران. ردة الفعل الإيرانية على الزيارة لم تكن بحجم الآمال التي عقدت عليها، ولم ترد طهران التحية بأفضل منها رغم الانحناءات الإيرانية المصطنعة التي سبقتها، فأضاعت فرصة زيارة مسؤول خليجي بحجم وحنكة الشيخ صباح. فما الذي جعلني أرى طاووسية قورش الكبير المتورمة تخرج من رحم إشارات طهران المبهمة في ذلك اليوم مدفوعة بآمال صانع القرار الإيراني في أن يتم تمديد الاتفاق النووي المؤقت بين إيران ومجموعة 5+1، وما تبعات ذلك التمديد على أمن الخليج العربي؟مؤشرات التمديد لستة أشهر أخرى والذي نتوقع حدوثه في منتصف يوليو القادم كثيره ومنها:- تصريح الرئيس روحاني نفسه بإمكانية تمديد فترة الاتفاق المؤقت 6 أشهر أخرى إن لم يتم التوصل لاتفاق نهائي في ختام فترة الاتفاق المؤقت.- إعلان طهران مؤخراً ترتيب لقائيين ثنائيين أحدهما بين إيران وأمريكا في جنيف، وآخر بين إيران وروسيا في روما، قبل انطلاق جولة المفاوضات النووية 15 يونيو 2014م، وما تلك الحركة إلا لتمديد الاتفاق عبر اللعب على التوتر بين روسيا وأمريكا.لقد أكد وزير الخارجية الإيرانية محمد ظريف أن المفاوضات النووية في منتصف يونيو الجاري ستحسم ما تبقى من الجدل حول بعض النقاط العالقة، وستتم صياغة الاتفاق النهائي، لكن صياغة الاتفاق لا تعني توقيع طهران عليه، فهي تعول على التمديد لأسباب متعددة منها:- التمديد لصالح طهران؛ فأحب أنواع الأزمات لدى الدبلوماسية الإيرانية هي «الأزمة الممتدة»، كما في سوريا والعراق واليمن، ففيها حيز كبير من المناورة لتحقيق أهداف على كافة الأصعدة، حيث لم يكتمل حلب طهران لازمة النووي بعد.- يعتقد الإيرانيون أن التمديد ضوء أخضر للهيمنة على الخليج بدون السلاح النووي؛ فقد كان من بنود المقايضة الهيمنة بدون مفاعلات عسكرية تقض مضجع إسرائيل.- جعل خامنئي الملف الدفاعي الإيراني خطاً أحمراً غير قابل للتفاوض، والتمديد لن يوقف تطوير وإنتاج الصواريخ البالستية التي تأتي بعد النووي كخطر على الخليج، بحكم عدم وجود جوار جغرافي قصير من اليابسة لقواتهم البرية.- سيعطي التمديد القادم طهران فرصة للمضي قدماً في أبحاث ومشروعات لإنتاج أسلحة نووية تحت ستار توليد الطاقة والتجارب العلمية، وسيرافق التمديد تشكيك في نوايا الغرب كذريعة، فالتملص من الاتفاق المؤقت أسهل من الاتفاق الدائم.سيكون تمديد الاتفاق المؤقت للوصول لاتفاق نووي نهائي مجال لصولات وجولات من المفاوضات الدبلوماسية من النوع الإيراني الذي لا يحقق تقدماً ملموساً، وستتذرع طهران كما قال مسؤول مشارك بشروط لغز مكعب روبيك «Rubik's Cube puzzle»، والذي لا تتم أي خطوة فيه قبل أن تكون كل قطعة في مكانها. كما سترتفع وتيرة غطرسة طهران، فمنذ أن علموا بإمكانية تجديد الاتفاق رفضوا الدعوة السعودية لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي لارتباط ظريف بالمفاوضات النووية مع الدول الكبرى، وكأنه يقول لم يعد الالتفات للخليج مغرياً. كما استقبلوا في وقت زيارة الشيخ صباح لطهران وفد رسمي قطري ووفد إماراتي لخلق إيحاء يراد له أن يكون استنتاجاً أن الخليجيين يتسابقون لكسب ود طهران. ثم ختمها آية الله علي حسيني خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، بالحديث عن الجماعات التكفيرية وكيف أن بعض دول المنطقة تمدها بالمساعدات، مضيفاً أن خطر هذه المجموعات سيطال الدول الداعمة لها في المستقبل المنظور، و»التكفيرية» و»دول المنطقة» مفردتان لوصف الجماعات السلفية ودول الخليج العربي، فهل كان في ذلك تهديد مبطن؟ خصوصاً أنه لم يأت على ذكر جرائم بشار أو الأحزاب المدعومة من طهران. ذلك سؤال سوف تجيب عنه التطورات القادمة في قضية تجديد الاتفاق النووي المؤقت.