الرأي

عدت من جديد يا رمضان

المسير







عدت من جديد يا رمضان، وعادت أيامك ولياليك ونفحاتك تجمل حياتنا وأوقاتنا، عدت وعادت نسماتك ترطب جفاف قلوبنا، عدت يا رمضان وكأننا بالأمس القريب نودعك وعيوننا تبكي حرقة على فراقك وفراق أيامك الجميلة، عدت بثوب جديد يعطينا أكبر الأمل لتوبة نجدد فيها علاقتنا مع الملك الديان، عدت من جديد، وأعمارنا تتصرم، وحياتنا تنقضي بسرعة البرق الخاطف، عدت لتفتح لنا أبواب الجنان الواسعة، حتى نستنشق عبيرها بأعمال نتقرب بها إلى خالقنا الكريم، وبأعمال نتسابق بها لنجدد الإيمان في نفوسنا، ونجدد حياتنا «الرتيبة» ونعيد حساباتنا مع تلك الأوقات التي تضيع سدى، في دنيا سريعة الانقضاء، يقول المولى العظيم «سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم». وقال عز وجل «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين». هذه هي المسارعة التي نبتغيها في أيام سترحل عنا شئنا أم أبينا، مسارعة تقتضي منا أن لا «نسرح» في أوقات رمضان، بل نستغل كل لحظاته في القرب من الله تعالى، وممارسة كل أعمال الخير المقربة إلى الله تعالى.
قبل أن تدخل إلى «واحة رمضان» أكثر من دعاء «يا رب، بلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وطول عمر»، ثم رتب أوراقك، وجهز قلمك، واكتب «مشروعك الخيري في رمضان»، ماذا تريد أن تقدم فيه؟ هل سيكون حالك فيه كمثل حالك في بقية الأيام؟ انتبه وتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «من استوى يوماه فهو مغبون»، فلا يكن همك في رمضان أن تصوم والسلام، أو أن تتضجر من «ساعاته الطويلة» هذا العام، بل اجعله «مشروع خير وسلام لنفسك» تمارس فيه كل فعل خير يرفع مكانتك في الجنان، رتب أوراقك واكتب مشروعك من الآن، حتى تدخل واحتك الرمضانية وأنت في قمة النشاط والهمة الإيمانية.
وإذا حط زادك في واحة رمضان، يبدأ حينها مسيرك الحقيقي الذي رسمت أثره في مشروعك الرمضاني الخيري، حينها ابدأ كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو بهذا الدعاء إذا رأى هلال رمضان «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير»، وادعو الله تعالى أن يبلغك إتمام شهر رمضان كاملاً، ابدأ لحظات رمضان بنية خالصة، وبقلب يعشق الخير في كل لحظات عمره، ردد دائماً «يا رب، سخرت وقتي وحياتي كلها لك، في شهر النسائم الإيمانية»، ثم تذكر أن هناك منادياً يناديك: «يا باغي الخير أقبل»، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت أول ليلة من رمضان، فتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب جهنم، فلم يفتح منها باب، وصفدت الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»، وليكن لصومك اللذة الإيمانية في نفسك، تتذكر به أنه «للمولى العظيم» وسيجزيك به في يوم لا ينفع فيه الندم، وسيدخلك من باب «الريان»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به».
تذكر أن صومك وقيامك وطاعتك إنما نتيجتها أن تغفر لك ذنوبك ما تقدم منها، بشرط أن تصحب نية الخالصة وتحتسب كل عملك لله، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه». وقال «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
تذكر أن رمضان «مدرسة لتهذيب الأخلاق»، مدرسة تعلمك أن تتعامل مع الآخرين بأخلاق راقية، كما قال عليه الصلاة والسلام: «.. وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم..». درب نفسك خلال الشهر الكريم أن تعالج كل نقيصة في نفسك، وكل العيوب التي تجعل الآخرين ينفرون منك!! إنها فرصة مواتية لترتقي بأخلاقك إلى أخلاق القرآن.
فرصتك هذه المرة غير في رمضان، زائر يزورك مرة في العام، يجدد عودته إليك، ليقدم لك ما يشفع لك عند الخالق العظيم، «هذه المرة غير»، نعم لتكن أحوالك أفضل من أي وقت مضى، ركز ثم ركز ثم ركز على مشروعك الرمضاني، وأهم سماته «التركيز» في كل طاعاتك في هذا الشهر الفضيل، جميل أن يختارك المولى أن تكون من طلاب رمضان، لأنك ستعيش داخل سحب إيمانية منعشة تنعش قلبك وتغسل نفسك من أوحال المعاصي.
اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه، ووفقنا إلى كل طاعة تقربنا إليك، ومبارك عليكم الشهر الكريم، وكل عام وأنتم بخير وصحة وسعادة.