لا أفهم حقيقة لم فهمت وزارة الداخلية بأن هناك اتهاماً لها بالتقصير في أداء واجبها ودورها المشهود في مواجهة الإرهاب لترد على مقال «حفاظاً على سمعة البحرين» بتعداد منجزاتها التي كنا أكثر المشيدين بها -ومازلنا- عموماً سأعتبر ما جاء في الرد كأنه جاء من «نيران صديقة» فنحن وإياهم في مركب واحد.القرار المتردد الذي أشرنا له في المقال قرار يتجاوز اختصاصات وزارة الداخلية ويتجاوز كل وزارات الدولة وأجهزتها التنفيذية، قرار يتجاوز التعامل الأمني مع الإرهاب في الشوارع والميادين العامة، لقد كنا نتكلم عن قرار استراتيجي سيادي يحدد موقف الدولة من جماعة المرشد الأعلى وهذا قرار لا تتخذه وزارة داخلية هذا قرار سيادي، بقي بانتظار أن يحسم.حين قررت مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات اتخاذ قرار إشهار الحرب المعلنة على جماعة المرشد العام وملاحقتها وملاحقة ينابيع تمويلها ودعمها، لم تحصر مواجهة الجماعة عند من يرتكب أعمالاً إرهابية منهم فحسب، لم تكلف وزارة الداخلية بملاحقة الإرهابيين فقط، بل ولم تقف حتى عن ملاحقة الناشطين منهم داخل مصر أو داخل السعودية، بل كان قراراً جذرياً شاملاً تعامل مع الجماعة كتنظيم، فحظرت أحزابهم وحساباتهم ومؤسساتهم، واتخذت قرار ملاحقتهم حتى خارج حدود دولهم باعتبارهم جماعات عابرة للحدود، وتجرأت هذه الدول الثلاث حتى هددت بقطع العلاقات مع الجهات الداعمة لهم أياً كانت جنسية جهة الدعم أجنبية كانت أو خليجية، ولم تكتفِ بملاحقة جناحها العسكري ومطاردته أمنياً وتقديمه للقضاء كما تفعل البحرين، وهذا الذي كنا نشير إليه، وهذا مغزى المقال، البحرين وضعت عبء المواجهة كله على الجهاز الأمني، وحارت فيما تفعله في مواجهة بقية أجنحة الجماعة، حتى وهي ترى هذه الجماعة تنمو كدولة داخل الدولة.ورغم أن مصر والسعودية والإمارات لم تتعرض إلى نصف ما تعرضت له البحرين من إرهاب جماعة المرشد الأعلى منذ التسعينات إلى اليوم إلا أن الدول الثلاث حسمت أمرها وأعلنت جماعة المرشد جماعة محظورة، في حين اختارت البحرين أن تكتفي بالمواجهة الأمنية، واختارت مهادنة الأجنحة الأخرى لأربعة عشر عاماً، فتحت أبواب سجونها وأبواب مطارها وتصالحت معهم، وصلوا إلى البرلمان، أصبح منهم نائب أول للمجلس المنتخب، عين منهم أعضاء في السلطة التنفيذية، ومع ذلك لم يتوقف إرهابهم، ولم يعترفوا هم بالدولة أو بالدستور، ومن دفع الثمن وهو يلاحق إرهابهم طوال هذه الفترة؟ دفعها رجال الأمن الذين سالت دماؤهم على أرض الوطن وهم يواجهون حرباً للشوارع تدور على أرضنا مع جماعة مرخصة بالقانون.أعلنوا أنهم لا يعترفون بالدستور ولا بالدولة ولا بالقانون، أعطوا لأنفسهم الحق بالاتصال بحكومات ومنظمات أجنبية، حتى من دخل منهم المجلس النيابي منتخباً اعتذر عن قسمه على الدستور وقال أقسمت مكرهاً، واتصل بسفارات وتآمر على وطنه، وواصلت جماعته إرهابها وحرقها وتدميرها لاقتصاد البحرين، ومع ذلك اكتفت البحرين بتوجيه أجهزتها الأمنية لملاحقة الجناح العسكري منهم.ونتيجة للتردد في حسم المسألة مع التعامل مع الجماعة بشكل جذري تمادت هي بوضع كل قانون بحريني تحت حذائها وعجزت أجهزة الدولة التنفيذية الأخرى عن التعامل معها، وعطلت العديد من القوانين وجمدت إكراماً لسياسة مهادنتهم.كم مرة أعطى أكثر من وزير مهلة لمخالفي القانون منهم؟ كم وزيراً أحرج حين طبق عليهم اللوائح والقوانين ثم يحدث تدخل ويخرق القانون من أجل مهادنتهم؟ كم مهلة هدد بها وزير رجل دين أو حزباً سياسياً أو أي مؤسسة تابعة للجماعة ثم يفاجأ بالتدخل؟ كم وزيراً صرح بنيته تطبيق القانون، ثم لا يطبقه، صحيفة ترتكب المخالفات تصدر بحقها أحكام ثم تعود للصدور وقرار عودتها جاء بتدخل، ثم يعامل رئيس تحريرها تعاملاً مثيلاً مع من التزم بالقانون ومع من احترم شرف المهنة، رجال دين تحترم الدولة وتحترم القوانين تتساوى مع من أمر بسحق رجال الأمن! مال يجمع خارج الإطار القانوني، موظفون يرتكبون مخالفات لقانون العمل، توقف الإجراءات المتخذة ضدهم وفقاً للقانون، وغيرها وغيرها من المخالفات التي تضعهم خارج نطاق القانون، كم مرة عطل القانون بأمر وسمح للقوانين الدولية أن تكون هي اليد العليا وسمح لكلمة وكلاء المرشد الديني أن تكون هي العليا؟هذا التذبذب أهدر كرامة العديد من الوزراء والمسؤولين، وأثر على كل المؤشرات الأمنية والاقتصادية وحتى على موقف الدول الداعمة لتلك الجماعات، فحتى الدول الأجنبية ومنها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تتقدم بخطوات وتتراجع بخطوات تجاه هذه الجماعة، لأنهم يرون أن الأمر لم يحسم في البحرين بعد وأن الدولة مازالت مترددة في اتخاذ موقفها من «الجماعة»، هذه آراء نشرت في أكثر من مقال وسمعناها من أكثر من مسؤول أجنبي.المجلس الوطني قال كلمته، مجاميع الشعب قالت كلمتها، ومؤسسات الدولة المدنية قالت كلمتها، وأصدقاء البحرين من كل حدب وصوب عرباً وأجانب قالوا كلمتهم، ودول مجلس التعاون قالت كلمتها، جميعهم دون استثناء غرباً وشرقاً قرروا أنه لا يمكن أن يستقيم أمن دولهم مع وجود جماعة لأي مرشد داخل دولهم، أصدروا القرار بجعل جماعة أي مرشد جماعة محظورة، ونفذوه وقضي الأمر وها هي الدول التي اعترضت ترخي اعتراضها وتتعامل مع الأمر الواقع، إلا مملكة البحرين مازالت مترددة وهو ما يؤثر على سمعتها وعلى أمنها وعلى مؤشراتها الاقتصادية. على البحرين أن تحدد موقفها فإما أن تكون دولة تلزم مواطنيها بقوانينها وتتحرك أجهزتها التنفيذية وفقاً لاختصاصاتها وصلاحيتها الدستورية دونما تدخل في عملها لاعتبارات سياسية، وإما أن تكون نصف دولة، نصف مواطنيها يلتزمون بقوانينها ويحترمون مؤسساتها، ونصفها الآخر يدوس قوانينها بحذائه ويعتبر البحرين أرضاً جرداء وهي الولاية رقم كذا في الدولة الإسلامية العظمى والخاضعة للولي أو المرشد الأعلى الإسلامي.
Opinion
إما أن تكون البحرين دولة أو تتحول إلى ولاية
22 أبريل 2014