من الأمور التي صار لا يختلف فيها؛ أن البحرين لن تعود كما كانت، وأن مجتمعها انقسم إلى قسمين وأنه لم يعد أمام أهلها سوى الاتجاه نحو التعايش، فالجميع يرى أن الشرخ كبير وأن جبر ما انكسر مستحيل.هذا أيضاً ما علق به بعض القراء على مقال لي نشر هنا قبل يومين عبرت فيه عن تفاؤلي بقرب انتهاء الأزمة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه وبدء صفحة جديدة نتفرغ فيها جميعاً لبناء الوطن والتعويض عما فاتنا، حيث رأى البعض أن الصحن إذا انكسر لا يمكن أن يعود كما كان. للأسف فإن هذا الرأي هو الأقوى، على الأقل في هذه الفترة، فما جرى على البحرين وأهلها كان فوق التصور وأبعد من الخيال، لذا فإن الرد على المتفائلين من أمثالي يكون سهلاً، ويحظي موضوع التعايش وتحمل بعضنا بعضاً بالنصيب الأوفر من التأييد.ما مررنا به مؤلم دونما شك وغريب على مجتمعنا المسالم المتآلف الذي ظل يستوعب الجميع على مدى التاريخ ويستوعب كل الأفكار والآراء والعقائد، لكنه مقارنة بما مر به الآخرون في دول كثيرة يعتبر بسيطاً، فما جرى هناك وهناك وهناك كان أصعب وأقسى، لكن في النهاية عادت الأمور إلى ما كانت عليه وتفرغوا لإعادة بناء ما تهدم. هذا لا يعني أن المسألة سهلة لأنها ببساطة صعبة، خصوصاً على مجتمع كمجتمع البحرين مارس الاختلاف لكنه لم يعرف الخلاف، فاليوم نعيش حالة غريبة صار معها الصغار يحددون علاقاتهم مع زملائهم في المدرسة بناء على انتماءاتهم المذهبية، وصار أهلوهم يوجهونهم ويحذرونهم من مرافقة فلان أو علان لأنه ينتمي إلى هذا المذهب أو ينتمي أهله إلى هذا الحزب. الجمعة الماضية كنا كما العادة مجتمعين إلى طاولة الطعام، حفيدتي ذات السنين الخمس كانت تفاخر بأبيها، قالت إن أبي جندي، سألناها ماذا يفعل؟ قالت يحمينا ويحمي الوطن كله، فسألناها ممن؟ لم تدرك السؤال فكررناه ثم ساعدناها، قلنا لها يحمينا من الأعداء ومن الأشرار. فوجئنا بها تقول وأيضاً من «....» الذين يفعلون كذا وكذا في الشوارع!للأسف هذا الحوار دار على طاولة الطعام بيننا نحن الكبار وبين طفلة لم تدخل المدرسة بعد؛ فكيف بمن يكبرونها سناً؟ طفلتنا وجل الأطفال في البحرين اليوم، إن لم يكن كلهم، يعرفون أننا نعيش مشكلة، لأنهم صاروا يشعرون بتأثيرها عليهم، وهذا شرخ كبير جداً، وهو من نتائج وسلبيات فوضى 14 فبراير، وهذا يعني أن هذا الجيل والجيل الذي بعده على الأقل سيعيشون وضعاً لا يحسدون عليه، وقد يزداد الشرخ في فترتهم اتساعاً. لو فتح المجال للجميع كي يرووا ما صار يقوله الصغار في البيوت -ربما باستثناء الرضع- لتوفرت مادة تكفي لألف كتاب وكتاب، ففي كل بيت تحدث مواقف غريبة على مجتمعنا يكون الأطفال طرفاً فيها، ذلك أنهم يعبرون ببساطة عما يحسون به وعما يلمسونه ويعيشونه في الحي وفي المدرسة وما يشاهدونه من أفلام فيديو صارت متوفرة في هواتفهم المحمولة التي صارت جزءاً من حياتهم!ما جرى مؤلم وما صرنا فيه وصار يعيشه أطفالنا خطير، ومع هذا لابد من أن نتفاءل، على الأقل كي لا نغلق باباً نعته رب العزة بالخير، فالصلح خير، ولعل العداوة التي تكونت غصباً عنا تتحول إلى محبة. هكذا تقول أمثالنا الشعبية أيضاً. لعل الدور الأكبر الآن يقع على عاتق الاجتماعيين الذين عليهم ألا يكتفوا برصـــد ما يجـــري، حيث تحليلاتهم وتوصياتهم أهم من معالجة السياسيين للأزمة، فهم مهمون كما هم الأطباء النفسانيون.