تلة صغيرة اضطر بعض رجال الأمن إلى الصعود إليها لغرض أمني بحت إثر خروج مظاهرة متجاوزة للقانون قام بها مجموعة من الأفراد في قرية عالي، هذا المشهد صار خبراً مثيراً لدى أجهزة الإعلام التابعة لـ «المعارضة»، حيث بثت ونشرت إحداها الخبر هكذا «منتسبو الأجهزة الأمنية (يعتدون) على تلال عالي الأثرية وتستخدمها كمنصات للقمع وإطلاق قنابل الغاز».لم أفهم لماذا اعتبر الأمر خطباً جللاً؟ا ولماذا اعتبر صعود بعض رجال الأمن إلى تلة في المكان يصعد إليها الأطفال في كل حين خطأ واعتداء على الآثار؟ خصوصاً وأن المتظاهرين يعتدون بفعلهم المخالف للقانون على كثير من الأمور ليس أولها الشارع الذي يشغلونه فيعطلون مصالح الناس، وليس آخرها الحي الذي يعرضون ساكنيه إلى الإرباك بسبب تحويله إلى ساحة مواجهات بينهم وبين رجال الأمن تتصاعد فيها كافة ألوان الأدخنة.اعتبار الصعود إلى تلة محسوبة ضمن التلال الأثرية اعتداء على الآثار حق يراد به باطل، فعدا أن الأمر عادي ولا يشكل اعتداء ولا تجاوزاً على الآثار؛ فإن الفعل الذي سعى رجال الأمن إلى التصدي له يحتوي أنواعاً من الاعتداءات على حقوق البشر المقيمين في المنطقة والمستخدمين لتلك الشوارع. اعتبار فعل رجال الأمن بصعودهم إلى التلة المذكورة اعتداء على الآثار مردود عليه، لأن صعودهم إليها بالتأكيد كان اضطراراً، وبالتأكيد أنه لم يتضرر منه أحد لا البشر ولا الآثار. اتهام ضعيف حيث الفعل لا يرقى إلى حد الاعتداء ولا يمكن أن يقبل هذه الصفة. هذه الحادثة تكشف طريقة تفكير هذه الفئة التي لا ترى الأخطاء التي تقع فيها وتعتبر كل تصرف من الآخر خطأ واعتداء. هي تعتبر قيام رجال الأمن بالتصدي لمظاهرة تؤثر سلباً على الحالة الأمنية اعتداء على المتظاهرين وعلى الحريات وعلى حقوق الإنسان، بينما تعتبر تعطيلها لحياة الناس وممارستها أعمال الفوضى والتخريب حقاً وصواباً، قانوناً وشرعاً. لا يمكن لوزارة الداخلية أن تترك الأمور سائبة لأن البلاد محكومة بالقانون، والقانون يفرض تنظيم عملية التعبير التي يكفلها الدستور. وترك الداخلية من يشتهي الخروج في مظاهرة في أي وقت وفي أي مكان يعني أنها مقصرة في واجبها ويعني أنها لا يهمها أمر الأمن وأمان الآخرين. ليس منطقاً مطالبة وزارة الداخلية السكوت عن تلك التجاوزات والاعتداءات، تماماً مثلما أنه ليس منطقاً الخروج للمطالبة بدولة القانون عبر مخالفة القانون. الواضح أن «المعارضة» تريد أن تفعل كل شيء وتتجاوز كل قانون وتخالف كل أوامر تنظيمية، وفي نفس الوقت تريد من الدولة أن تقف مكتوفة اليدين وإلا تكون قد خالفت وتجاوزت واعتدت على حقوق الإنسان والحريات وصولاً إلى اتهامها بالاعتداء على الآثار. طريقة تفكير «المعارضة» خاطئة، لأنه كما إن من حقها أن تعبر عن نفسها وعن مطالبها فإن من حق الحكومة أيضاً أن تفرض القانون وتحافظ على الأمن وتمنع التجاوزات وإرباك وتعطيل الحياة. ليس معقولاً ترك هذه الفئة تعمل ما تشاء وترتكب كل الأخطاء ولا تراعي أحداً ولا تهتم بتضرر أحد، وليس معقولاً اكتفاء الحكومة بالتفرج على ما تقوم به كي لا يقال إنها اعتدت على الأشخاص أو الأمكنة.في كل دول العالم تواجه الحكومة المتجاوزين للقانون والمعتدين على حريات الآخرين. وفي كل دول العالم يستفيد رجال الأمن من مكونات البيئة التي يصيرون فيها فيتحركون في «الدواعيس» كما يتحركون في الشوارع، ويصعدون التلال كما ينزلون الحفر إن وجدت، فالمهم عندهم في تلك الساعة هو السيطرة على الوضع ومنع الاستمرار في مخالفة القانون وإلا فما قيمتهم؟ اتهام رجال الأمن بالاعتداء على الآثار اتهام ضعيف وقول مردود عليه.