هذا تشخيص لواقع مرصود خلال السنوات الماضية، وهو كلام «حق» ندرك أنه سيزعج كثيرين، لكن المسؤولية الوطنية والأمانة المهنية تحتم علينا قوله، إن كنا بالفعل حريصين على المصلحة العامة.في إطار مساعي الإصلاح والتطوير وتحسين الخدمات والاتجاه نحو تعزيز مفاهيم الديمقراطية والمشاركة الشعبية في البلد، هناك كثير من المبادرات والشعارات الإيجابية التي أطلقت، والتي لابد وأن يتفاعل الشارع البحريني معها إيجابياً، وحتى في الخارج تحتم على المجتمع الدولي التعاطي معها بترحيب وترقب.لكن المشكلة تكون حينما نظل «عالقين» في مرحلة الشعارات، بحيث نبحث عن تطبيقها فلا نجده.هنا يجب وضع نقطة آخر السطر، والتوقف لمعرفة أين هو مكمن الخلل. إذ الشعارات المطلقة إيجابية ومضامينها طيبة وتطبيقها ينهض بالبلد ويطور فيه ويحقق الصالح لشعبه، بالتالي لماذا لا تطبق حتى الآن؟!ومن باب الإنصاف هنا، لا يمكن نكران حصول كثير من الإيجابيات، لكن التطلع للأفضل والأكثر مشروع ومطلوب إن كنا بالفعل نسعى للارتقاء بأداء قطاعات الدولة وتحسين وضع الناس وتطوير المجتمع.قد يكون أقرب وأسرع مثل يستوعبه الناس هي الشعارات المعنية بمحاربة الفساد الإداري والمالي، وكيف أنه حينما تم تدشين عمل ديوان الرقابة المالية والإدارية حظي ذلك بردود فعل إيجابية مقرونة بتطلعات طموحة لوقف الهدر المالي ومحاسبة المستهترين وإبدالهم بمن هو أكفأ ومن يراعي مصلحة الوطن. ومضت العملية في إطار «الشعارات» لتتسع وتشمل فتح خط ساخن للتبليغ عن الحالات المرصودة.إلا أن النتائج، وهنا نتحدث عن التطبيق وما يستتبعه من أرقام تسجل لحالات تم التعامل معها، أقل كثيراً من المأمول، إن لم يكن معدوماً، في حالة السعي لرصد إجراءات اتخذت بحق بعض المسؤولين ثبتت عليهم تهمة الإخلال بأمانة المنصب. أو بحق قطاعات مازالت أساليب عملها الخاطئة تؤثر على الدولة وميزانيتها وتستجلب استياء الناس.شعار مثل «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب»، أين هو موقعه من التطبيق؟! نبحث عن أمثلة وقد نجد عدداً ضئيلاً منها.شعار آخر مثل «تحقيق رفاهية المواطن»، وهو بحد ذاته يسأل عنه المواطن نفسه، وهل بالفعل يحس بأن مصلحته أولوية في عمل بعض القطاعات بحيث تحقق له تطلعاته ليست الرفاهية بمفهومها اللغوي؟!ليس الخطأ هنا أن نضع لنا أهدافاً تخرج منها شعارات جميلة وذات مضامين طيبة، لكن الخطأ أن تظل شعارات بلا تطبيق، أن تظل نصوصاً مكتوبة أو تصريحات مطلقة لا قياس لها على أرض الواقع.لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور إن ظل يعيش على الشعارات، بل التطور يبنى على التطبيق وعلى العمل وعلى اتخاذ قرارات في اتجاه تحقيق هذه الشعارات، تطبيقاً يمكن قياس نتائجه، ويمكن أن نحس بتأثيره.لسان حال كثير من الناس يقول بأن كثيراً من المبادرات والشعارات هدفها تحويل صورة البحرين لصورة جميلة إعلامياً فقط، بحيث من يسأل عن البحرين في الخارج تحديداً تتم إجابته من منطلق الشعارات والنوايا والخطط المستقبلية لا من واقع الحال المعاش، وماذا تحقق وماذا تعطل!كل شعار يطلق يستوجب قبل إطلاقه أن نؤمن بإمكانية تحقيقه، وأن يعمل بعد ذلك على وضع خطة عملية تكفل تحقيقه، وحينما يتحقق يمكن قياسه وإبراز نتائجه، وهنا الأرقام أصدق من يقرر ما إذا كنا مجتمع «أقوال» أم مجتمع «أفعال».