مع احترامي الشديد لجهود وزير الإسكان، باسم الحمر، إلا أنه مهما بذل من جهد وتعب ولو حرم نفسه من النوم لعشر سنوات متصلة وعمل 24 ساعة فإنه لن يتمكن من حل مشكلة الإسكان بهذه الطريقة! سيتعب الوزير لا محالة، ولو حان موعد تغييره وإبداله بوزير آخر لن يخرج بصورة طيبة مفادها بأنه نجح في حل المشكلة، لا ضعفاً منه وعدم مقدرة؛ بل لأنه يحتاج -هو نفسه- وحتى وزارته لمساعدة مضاعفة من قبل الدولة حتى ينجح في مهمته.أدرك تماماً بأن الناس تتذمر بشأن الإسكان يومياً، ففي كل عائلة بحرينية هناك من يعاني، منهم من ينتظر طلباً لسنوات طوال، ومنهم من يقدم ويرفض له، ومن يقدم وبعد سنين يلغى طلبه أو تخرج له إشكاليات عجيبة غريبة، ومنهم من هو وضع خارج الخدمة وحرم منها بحجة دمج الراتبين والسقف، لكن في جانب آخر حل مشكلة الإسكان يوجب وضع النقاط على الحروف والإجابة على عديد من الأسئلة.الاشتراطات الإسكانية «القديمة» رغم أنها لم تستثنِ أحداً من مواطني البحرين سواء أصحاب الرواتب العالية أو المتوسطة أو الدنيا، رغم ذلك كانت هناك قوائم انتظار طويلة، حينها كان التحدي يتمثل بتلبية الطلبات بأقصى سرعة. لكن السنوات التي أعقبتها تغيرت فيها الأمور، بل الأصح، تغيرت فيها التحديات، وتحول الوضع وكأن الهدف كله هو تقليل عدد المستفيدين من الخدمات الإسكانية، وهو الواقع الحاصل اليوم، أليس كذلك؟! وإلا لماذا لا يلغى اشتراط سقف دمج الراتبين رغم أن التصريح في الصحافة والإعلام بتعديل الاشتراطات صدر في رمضان عام 2011؟!المسؤولية لا تتحملها كلها وزارة الإسكان أو وزيرها الذي يشاد له بالكفاءة والنزاهة والاجتهاد، فالأفراد الموجودون اليوم يتعاملون مع إرث ثقيل له تداعيات «مركبة» ومزعجة، ولمعالجة هذا الإرث ستفشل الوزارة وطقمها الحالي إن تعاملت بنفس «الإمكانيات» المتاحة لها في السابق.وعليه لحل أي معضلة ومشكلة، يجب فهم أسبابها وما الذي جعل المشكلة تبدأ في الأساس؟! ولماذا تفاقمت وتطورت وتعقدت؟! ولماذا لم توضع لها حلول في وقت كانت فيه الحلول أسهل؟! وفي السؤال الأخير أعني الطفرة النفطية قبل أعوام والتي بها يمكن محاججة الدولة والوزراء والنواب أجمع عن عدم استغلالها في حل مشاكل الناس على رأسها الإسكان عبر زيادة الموازنة وتقديم الدعم الكامل المضاعف لوزارة الإسكان!هناك استهتار مع المشكلة، هذا كأساس واضح قبل سنوات، أعقبته حالة حرج من عدم مواءمة الميزانيات مع الطلبات التي تكدست بشكل جنوني، بعدها ارتكاب جريمة بحق المواطنين حينما وضعت الاشتراطات الظالمة، بعدها تحسيس المواطن بأنه يعيش في دولة مساحتها كمساحة «سان مارينو» التي تبدو كبقعة وسط إيطاليا (على فكرة هي من أغنى دول العالم في متوسط دخل الفرد)، وكأن البحرين لا يوجد فيها أراض للبناء، بالتالي بدأت عملية «الوسوسة» للمواطن بأن أسكن في شقة وأن البناء العمودي ممتاز وأحسن! ثم حلت فكرة «البيوت الذكية» وكأن وزارة الإسكان قد تحول حالها كحال المواطن «المفلس» من بداية الشهر ليبحث بعدها عن السلع الأرخص! وطبعاً تلاها إيقاف الفكرة باعتبار أنها -أي البيوت- لا تليق للمواطن وسنصدق هنا بأن هذا هو السبب الرئيس! طبعاً وصولاً للحال الذي نحن عليه.هل سنلوم وزير الإسكان الحالي؟! هل سنقسو عليه ونحمله كامل المسؤولية؟! هل سيفعل الناس ذلك مع أن البحرين غالبيتها يعرف بكفاءته وعقليته واجتهاده ونجاحه في مواقع المسئولية السابقة! هو ليس «سوبرمان» حتى يلام وحده ونضع الدولة في كفة أخرى وكأن لا علاقة لها، ونضع «حضرة الأفاضل أصحاب السعادة الموقرين» النواب في كفة ثانية لا تمس!حتى لو أرادت وزارة الإسكان اليوم إلغاء الاشتراطات وفتح الباب على مصراعيه لكل مواطن لتستفيد من الخدمة الإسكانية (وهذا حق من حقوق المواطن نؤكد ونشدد عليه)، فإنها أشبه ما تكون بعملية «انتحار»، هي ستزيد قوائم الانتظار على الفور، ستزيد الطلبات التي لا يمكن تحقيقها إلا بعد أربعة عقود إن حالفها الحظ، لن تمتلك ميزانية لبناء حتى ربع هذه الطلبات، وسيظل المواطن ينتظر وينتظر ويورث طلبه لأحفاد أحفاده.هي ليست عصا سحرية أو بإحلال وزراء أكفاء مشهود لهم وبعدها نترقب منهم معجزات، الوزير باسم الحمر لن يصنع المعجزات هكذا بالتمني أو ببقاء الحال على ما هو عليه. إن كانت الدولة تريد حل مشكلة الإسكان وأن ترضي جميع المواطنين وأن توقف التمييز عنهم بحيث يستفيد كل مواطن من الإسكان، عليها أن تضاعف ميزانية الإسكان لأضعاف وأضعاف، يفترض أن يوجه مبلغ الدعم الخليجي العشرة مليارات (وهذا ما هلكنا ونحن نقوله) إلى الإسكان كله لحل المشكلة، وإن كان رجل واحد يصعب عليه تحمل هذه الحمل الكبير، فما المشكلة من تعيين حتى خمسة وكلاء مباشرين لوزير الإسكان مهمة كل واحد منهم معالجة الوضع الإسكاني في كل محافظة على حدة؟!لن ألزم النواب بدور أو موقف هنا، فقط سأقول «سكوتكم من ذهب» في هذا الموضوع، لا نحتاج لصراخ ودعايات انتخابية، نريد عملاً مخلصاً، وهذا ما لانجده لدى الغالبية منكم، وإلا لنجحتم في حل مشكلة الإسكان منذ 2002 وحين قفز النفط لسعر قياسي.نقول بأننا لو فكرنا بواقعية فإن مشكلة الإسكان يمكن حلها، هي أولوية فوق كل الأمور أخرى، ومن يقول هذا الكلام هو المواطن نفسه، هو المتضرر الأول من القضية، ولا يهم ما يقوله الآخرون بالأخص من يتكلمون وينظرون وفي أفواههم «ملاعق ذهب». فقط أعطوا الوزارة ما تحتاجه من ميزانية «سخية»، وفروا لها الغطاء التشريعي الصحيح، زيدوا طاقتها البشرية، وفروا لها الأراضي «الموجودة» أصلاً (كلنا عيال قرية وكل يعرف خيه)، وأعلنوها بصراحة بعدها بأنه خلال خمس سنوات كل مواطن بحريني رب أسرة ومن تنطبق عليه شروط السن والأهلية سيمتلك بيتاً هو حقه من الدولة!والله كل شيء يتحقق، لا شيء مستحيل، والدولة التي نحبها بإخلاص «قادرة» والله «قادرة»!