عرضت قناة الـ BBC العربية تقريراً موسعاً حول دور القنوات المذهبية وما لها من أثر بالغ في تأجيج الصراعات الطائفية بين أبناء المسلمين، تحت عنوان «أثير الكراهية»، لكن لدينا هنا بعض التحفظات حول طبيعة معالجة هذا الملف الحساس من طرف القناة البريطانية.في البداية، وعلى الرغم من قوة التقرير ووضوح الجهد المبذول فيه، إلا أننا نملك بعض المؤاخذات حول المواد المطروحة فيه، كما نملك الكثير من المؤاخذات حول الشخصيات المُستضافة في التقرير، إلا أن التقرير في نهاية الأمر يكشف الكثير من الحقائق المهمة والمبهمة التي يجب أن يعرفها المسلمون في كل أنحاء العالم.«أثير الكراهية» طرح المشكلة لكنه لم يوجد الحل، ولو أنه استعان ببعض آراء علماء المسلمين من المعتدلين لكان حقق الكثير من المطلوب، لكنه اقتصر على الوجوه التي ساهمت في نشر الكراهية فقط، فجاء التقرير ناقصاً.إن الوجوه التي اختارها صاحب التقرير، هي في الحقيقة لا تمثل السنة كل السنة، ولا تمثل الشيعة كل الشيعة، بل تمثل جزءاً لا يُرى بالعين المجردة في عالمنا الإسلامي، حتى وإن أحدثت هذه الفئة الشاذة فكرياً وعقائدياً جلبة كبيرة بين المسلمين، فهؤلاء في الحقيقة لا يمثلون سوى أنفسهم، أما بقية المليار ونصف المليار مسلم فإن لديهم الكثير من العلماء والمفكرين الذين يعدون المرجعية الحقيقية لأحكام الشريعة والتاريخ والتفسير والفقه والفكر.صور التقرير البريطاني أن من التقوا بهم في بطن التقرير يعتبرون من الشخصيات المؤثرة والفاعلة عند المسلمين، بينما هم لا يتعدون كونهم متطفلين في تاريخنا المعاصر، إذ إنهم وبطريقة خبيثة استثمروا أجواء ومناخات ضعف الأمة عبر واقعها الإسلامي القلق، فحشدوا الطاقات والأموال والسلاح في سبيل تجنيد فقراء وجهال وصغار أبناء المسلمين لضرب الإسلام الجميل من أجل تشويهه وهدم بنيانه وأركانه، فكان لهم ذلك.يبدو أن التقرير استطاع أن يصل إلى نتيجة لم ينتبه إليها بالفعل، وهو أن غالبية الذين يمولون الكراهية في وقتنا الراهن جاؤوا عبر بوابة الاستعمار البريطاني، كما تعد بريطانيا العجوز من أبرز الدول التي تحتضن هذه النماذج السيئة من المغرضين والعابثين بوعي المجتمعات الإسلامية، وهذا يدلل على أن الممولين لتلك القنوات الفضائية العبثية الطائفية يعيشون أو يحصلون على دعم بريطاني بامتياز.مع الأسف لم ينصف التقرير الكثير من علماء المسلمين المعتدلين الذين غيبهم من خلاله، فأخذ منهم الرويبضة فقط، فسلط عليهم الضوء بطريقة أبرزتهم وكأنهم محور هذه الأمة، متجاهلاً علماء أفذاذ من كل الطوائف الإسلامية، والتي لا تعترف أصلاً بكل من ورد اسمه ورسمه في ذلك التقرير.ليست بريطانيا وحدها المعنية بالتستر على أولئك الإرهابيين المتدثرين بجلباب الدين، بل كشف التقرير عن وجود دول إسلامية وعربية تمارس دور «الأعمى» عن مخازي كل الجماعات الإسلامية المتطرفة، أما علماء الدين المستنيرين -وما أكثرهم- فإن الإعلام الرسمي العربي غيبهم من المشهد، في الوقت الذي فتح الغرب ذراعيه وأراضيه للمتشددين والمجانين وشذاذ الآفاق من المسلمين، لينشروا كافة أشكال الفتن الدموية ويبشروا بها تحت مسمى «حرية التعبير»، وهذا ما لم يوضحه التقرير الذي تم إعداده باقتدار في مطابخ الـ BBC.
Opinion
قراءة موضوعية في «أثير الكراهية»
12 يونيو 2014