شهدت مصر خلال أيام 26-28 مايو 2014 انتخابات الرئاسة السادسة منذ ثورة 1952، تميزت هذه الانتخابات بمجموعة من السمات الفريدة:أولها؛ أنها انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وتعددية، وقام بمراقبتها عدد من المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني من مصر والعالم.الثانية؛ أنها شهدت مشاركة جيدة تراوحت بين ضعيفة ومتوسطة وكثيفة، وفقاً لعدة عوامل أولها المناخ الشديد الحرارة، ثانيها الإشاعات التي سبقت الانتخابات بأن النتيجة مضمونة، وهذا دفع كثيرين للعزوف عن المشاركة اطمئناناً وثقة في النتيجة، وثالثها الدعوة لمقاطعة الانتخابات بأساليب سياسية ودينية وإرهابية، ومن المنطقي ومن حق أية هيئة سياسية أن يكون لها موقف من المشاركة على أسس سياسية، أما دخول رجل الدين المعروف بأنه أداة سياسية وفتاواه لا تستند لصحيح الدين وإنما تقوم على الهوى وتوجهاته الإيديولوجية فهذا شيء عجيب، ويثير التساؤل في مصداقية ليس رجل دين واحد انحرف عن جادة الصواب بل يثير التساؤل حول دخول الدين في السياسة، والذي سبب نكبات كبرى منذ صدر الإسلام. الثالثة: أنها كانت انتخابات أقرب للديمقراطية الأمريكية التي يتنافس فيها مرشحان وأحياناً شخصيات هامشية، وفي مصر هذه المرة تنافس مرشحان ذا مصداقية ومكانة، ولم يمنع القانون دخول أي مرشح آخر، إنما المناخ السياسي وضعف شعبية أي مرشح آخر منعهم اختيارياً من ممارسة حقهم في الترشح للرئاسة، إضافة لقانون العزل السياسي ضد من أطلق عليهم فلول نظام مبارك، وطبق هذا القانون على واضعيه من الإخوان بنفس المعايير، رغم أنهم كانوا أكثر انحرافاً من فلول مبارك، لأنهم لجؤوا للعنف ضد الدولة قولاً وعملاً، نظرياً وممارسة وهي ممارسة لم يسبق لها مثيل في أية دولة ديمقراطية أو حتى ديكتاتورية. الرابعة: في انتخابات 2012 احتشد الشعب كله من أجل إجرائها وسلامتها في نزاهة تامة ولم يقم أحد بأية أعمال إرهابية، رغم وجود بعض قوى سياسية دعت للمقاطعة آنذاك، أما انتخابات 2014 فقد أطلقت فيها الدعاية السوداء وقنابل المولوتوف والمتفجرات، ومن الدعاية السوداء تلك المنسوبة إلى شخصية من المفترض أنها عاقلة ومتزنة ودخلت انتخابات 2012 وأخفقت ولم يمنعها من دخول انتخابات 2014 أحداً إلا أنها أدركت أنها ستسقط لانعدام شعبيتها لتغير الظروف، ومع ذلك أطلقت تلك الشخصية تهديداً غير مسبوق ضد شعبها قائلة إذا أجريت الانتخابات سوف يقوم هو وأعوانه في مصر بعمل يشبه أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. مثل تلك التهديدات الإرهابية وفتاوى التكفير والدعوات للمقاطعة، ليست إلا غيض من فيض. الخامسة: ليس من حق المرشح الذي لم يحصل على الأصوات الكافية أن يخرج ويطعن في النتائج ما لم تكن لديه أدلة قانونية يتقدم بها إلى لجنة الانتخابات، أما الطعون ذات النكهة السياسة فهي مثل من يرسب في الامتحان ثم يتهم أساتذته وصعوبة الامتحان والمقرر الدراسي، فهذه أساليب مموجة وتنم عن عدم ثقة المرشح بنفسه وبشعبيته، ونقول أيضاً إن هذه ليست ممارسات ديمقراطية لمن ينشدون الديمقراطية، ولعلنا نستذكر كيف نجح الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في الانتخابات الأولى بأصوات كانت موضع شك ووجود صناديق لم يتم فرزها وجدت في أحد الأماكن، لكن المحكمة الدستورية حسمت الخلاف لمصلحة أحد المرشحين، كما إنه في انتخابات الرئاسة المصرية بين محمد مرسي وأحمد شفيق كان الأخير شريفاً وعقلانياً في تعامله مع الموقف رغم معلوماته بأنه الفائز الحقيقي في تلك الانتخابات، ولم يتحدث إلا عندما قدموه للمحاكمة بدعاوي ثبت بطلانها. السادسة؛ أنه في هذه الانتخابات كان القاصي والداني من مصر والدول العربية والأجنبية يعرفون من سيكون الفائز، لوجود شعبية كاسحة لأحد المرشحين. لكن المرشح الذي لم يوفق، دون إقلال من قدره وقيمته ووطنيته، أن يخرج ويدلي ببيانات وتصريحات تسئ إليه بأكثر مما تسئ إلى منافسه أو إلى العملية الانتخابية، حقاً قليلاً من العقلانية يا ساسة مصر، لقد أتقن البعض لعبة السياسة الشعبوية والدعائية والخطابية، وأتقن آخرون العمل التآمري السري، ولكنهم لم يتقنوا عملية السياسة الحقيقية المستندة للقانون وإرادة الشعب المصري الظاهرة للعيان. هذا يذكرنا بشخصية أخرى تمتعت بمكانة واحترام دوليين، كررت أكثر من مرة مقولتها أصلحوا أحوالكم وغيروا القوانين والدستور، ثم أوافق على أن أحضر لتولي حكمكم. عندما أتيح له المشاركة في السلطة تصور في لحظة أن السفينة سوف تغرق، ولذلك قفز منها، وهو بذلك مثل ابن سيدنا نوح عندما رفض الاستماع لوالده وقال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، وهكذا أوى هذا الشخص المحترم إلى القوة العظمى الوحيدة ضد إرادة الشعب المصري، ولكن كما لم يعصم الجبل ابن سيدنا نوح فلن تعصم القوة العظمى أي شخص مهما كان من حكم التاريخ، ومن الحكم الذي يصدره الشعب ضده. السابعة؛ أنه لم يكن متوقعاً بحكم المؤشرات الواضحة فوز المرشح حمدين صباحي، لكن يبدو أنه وقع فريسة المبالغة في تقدير الذات وعدم القراءة الصحيحة للمتغيرات على الساحة المصرية، لذلك فمن المؤسف أن يصدر بياناً غير مناسب ويعبر عن الغضب أكثر عما يعبر عن الحقيقة، وهذا يمثل أكبر إساءة له كما حدث في موقف الدكتور محمد البرادعي، وأعتقد أن من يقفز من سفينة الوطن في أية لحظة لا يلومن إلا نفسه، لأنه لا يعرف أصول العملية السياسية وأبجديات العملية الانتخابية، وعليه أن يعيد دراسة العلوم السياسية والديمقراطية الأمريكية الصحيحة، وليست الديمقراطية التي يصدرونها إلينا فهي بضاعة مزجاة.