تصرمت أيام.. عقد كامل، ورغم الزخارف الديمقراطية والدستورية التي عاش العراقيون في ظلها إلا أن بلاد الرافدين لم تشهد الاستقرار. وتقول مسرودات تاريخ العراق الحديث إن «تشرشل» جمع عنوة بين جماعات بشرية متنافرة دينياً وعرقياً تحت حكم ملكي لم تكن تربطه بهم صلة، وإن ما يحدث حالياً هو حركة تصحيحية يقوم بها التاريخ. فهل هناك مؤشرات حقيقية لتقسيم العراق؟ والأهم هل تقسيم العراق في مصلحة دول مجلس التعاون أم تهديد مستقبلي لأمنها؟تقود التصريحات التقسيمية معطيات ظرفية متغيرة، كما تقودها في الوقت نفسه مؤشرات متجذرة منها:- الدستور العراقي الذي وضعه الحاكم الأمريكي بول برايمر ويمنح كل ثلاث محافظات متجاورة الحق في تكوين فيدرالية مستقلة، فبدأ التنفيذ في الشمال وستتبعه الأنبار ثم البقية. - تتجلى حالياً انتهازية الأكراد وطموحهم في أوضح صورها، فهل ستكون ذريعة الانفصال عبر الخلاف على مدينة كركوك النفطية.- رغم تصريح مرجعية النجف بوقوفها سداً منيعاً بوجه تقسيم العراق؛ إلا أن تمسكها بالمالكي يظهر دون أدنى ضبابية تمسكاً بطاغية فكك العراق، ليس سياسياً فحسب، بل وعسكرياً بظهور «داعش» و»قوات أبناء العشائر» و»الجيش البديل»، فدعوة المرجعية «الدينية» ودعوة المالكي «القانونية» لوحدات متطوعة أدت لفقدان الجيش العراقي النظامي لغطائه شرعياً ودستورياً كرمز لوحدة العراق.- استثمار لنجاحاتهم في تقسيم البلدان في ألمانيا وكوريا وفيتنام ويوغسلافيا وتقسيم السودان؛ ووفاءً لذلك النهج يعود الخطاب الأمريكي التقسيمي بإحياء اقترح نائب الرئيس بايدن 2006 بتقسيم العراق.إن النزعة الفوضوية المتسارعة التي تطبع الأحداث في العراق خير دافع لتدبر موقف خليجي، وفي وجود قدرة خليجية -لن تتكرر- على خلق مناخات استراتيجية مواتية تصبح خطوة تقدير الموقف حيال الخسائر والمكاسب من تقسيم العراق مستحقه، فهل يعلمون أن الخسائر قد تتضمن:- سيتشكل في العراق المقسم برميل بارود تحيط به ساحة كبيرة قاسية، تخيم في طرف منها عشائر مذهبية، وفي طرف آخر عصابات متطرفة، وفيدراليات عرقية، إضافةً إلى متأنقين من كائنات سياسية منقرضة. ولن تخضع العلاقات بينهم لتعريف إيجابي، ولأن لا أحد منهم يأبه لك إلا إذا علوت رأسه بالحسام فسيكون دخول رجال «قوة القدس» الإيرانية أو «البريهات الخضر» الأمريكية أو «شايتت 13» الصهيونية وخروجها أمر معتاد لتصفية الحسابات.- تشير ملامح السلوك السياسي الأمريكي إلى أن تقسيم العراق سيكون منطلقاً لتقسيم المنطقة لــ36 كياناً على أساس عرقي أو طائفي أو نفطي.- إن وجود جار شيعي في جنوب العراق سيكون فرصة ذهبية لطهران للسيطرة على الإقليم الجديد، ولن تكون الجيرة الخليجية مع أهل الرايات الصفراء والرايات الخضراء فحسب، بل وأهل الرايات السوداء كــ»داعش» وجماعتها، حيث ستقدم نفسها كتنظيم عابر للحدود لإقامة دولة الرايات السوداء.- سيكون للكيان الصهيوني موضع قدم، فشمعون بيريز يرى وحدة العراق قضية خاسرة، ويجب دعم الأكراد لإقامة دولتهم، وكان رد التحية شحنة نفط كردستانية للصهاينة.- في التقسيم المعلن سيمنح السنة أجزاء من مناطق لا نفط فيها، وستكون دولة سنية قارية فقيرة وعالة على الخليج، وقد تعود الحياة لحزب البعث فيها، فهناك 70 ألف مسلح ينتمون إلى وحدات الجيش البعثي الذي تفكك عام 2003.أما مكاسب دول الخليج من تقسيم العراق فتتطلب فهم ثوري لمستجدات البيئة الإقليمية ومن تلك المكاسب:- ستفضي خلاصات التحولات جراء التقسيم لصدمة في أروقة صنع القرار الخليجية تدفعهم للمخرج المتوفر سلفاً وهو تقوية مجلس التعاون ثم القفز به للوحدة الخليجية.- هناك لهجة عراقية عدائية رسمية تجاه دول الخليج، يسندها وعود أمريكية بإعادة تسليح الجيش العراقي بأسلحة هجومية، فإذا اجتمعت المؤشرات والنوايا مع طائرات إف 16 ودبابات إبرامز بيد المالكي، أو من هو على شاكلته، يصبح الخيار الاستراتيجي الموفق للخليجيين التقسيم، فالعراق الضعيف بحد ذاته أمر جيد.يقول معهد خبراء بروكينغز «إن العراق تجزأ فعلياً إلى ثلاث دول، كردية في الشمال وشيعية في الجنوب، وسنية في الغرب، وأن هذا التقسيم رغم أنه لم يعلن رسمياً بات واقعاً ولا عودة عنه»، فهل نكتب في الوقت الضائع؟!مبارك عليكم شهر رمضان