أيام جميلة انقضت، فرمضان شهر العبادة والمحبة والتواصل والخيرات ذهب بأيامه ولياليه لكنه سيعود «نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا في مستقر رحمته ويغفر ذنوبنا، ويعتقنا من النار، اللهم اجبر كسر قلوبنا على فراق رمضان، وأعده علينا أعواماً عديده وأزمنة مديدة، وتقبله منا بأحسن حال ولا تجعلنا فيه من المحرومين من عظيم الأجر والثواب يا الله». وكما ودعنا رمضان بدعاء الخير والمحبة استقبلنا عيد الفطر السعيد بملبوس الخير والسعادة وسط آلام الحزن على ضحايا المجازر لإخوان لنا في غزة وسط ذهول من العالم الذي كان يتفرج على قتل الأطفال وتشريد من تبقى على قيد الحياة في الشوارع دون رحمة ولا مأكل ولا ملبس ولا من مجيب، كنا نعيش أيام العيد وقلوبنا تعتصر حزناً وعيوننا تذرف الدموع وسط بيانات خجولة تندد وتشجب وتتبرع بما لا يفيد، فالذي دمرته مدافع وطائرات العدو الإسرائيلي لن تعيده الدنانير ولا أكياس الأكل ولا مراكز العلاج التي تبرعت بها بعض الدول العربية مشكورة، فالحل لهذه القضية يتطلب مواقف أكبر من ذلك بكثير. عدنا بعد هذه الفصول السعيدة في رمضان والمأساوية في العيد لنعانق أحبة لنا افتقدناهم طيلة الإجازة التي توقفت فيها عجلة «ملفى الأياويد» عن الدوران طوال فترة شهر رمضان المبارك، عدنا لنلتقيهم ونقترب من دروبهم ولنحمل معهم رسالة المحبة لهذا الوطن ولنبني معاً ما تبقى من دروب الخير ولننير كل الدروب بالسعادة قدر المستطاع مع الأحبة. نعم بعد العيد عدنا نتشاور ونتحاور ونتذكر أياماً سعيدة ولحظات لا تمحى من ذاكرتنا، وساعات قضيناها أمام شاشات التلفزيون، منا من تابع المونديال وفرح بفوز منتخبه وآخر كان الحزن رفيقه الذي لازمه بخروج منتخب كان يمني النفس بالذهاب بعيداً، لكنهم كانوا يستمتعون بقضاء الساعات الطويلة في متابعة أخبار ومباريات المونديال في البرازيل. أما عشاق المسلسلات التلفزيونية فقد كان لهم رأي آخر فهم من كانوا يتمنون أن ينتهي المونديال بسرعة البرق لأنه سرق الكثير من ساعات المتابعة عندهم، وقسم «الرأي والرأي الآخر في البيوت والمقاهي والخيم» حول المتابعة لمن تكون المونديال أو الدراما التليفزيونية، في العائلة الواحدة كانت الزوجة وبناتها في غرفة يتابعون مسلسلاتهم اليومية من بعد الإفطار، في ما كان الزوج يستعد والأولاد إلى الذهاب إلى المقهى أو أنه سيقفل عليه غرفته ويبدأ في الصراخ مع جمهور فريقه، تلك كانت بعض المشاهد والصور لتقسيم العائلة أمام التلفزيون و«كل يغني على ليلاه». الكثير من الأعمال التلفزيونية كانت تستحق المتابعة لكن الوقت لم يكن ليخدمها، والبعض سيبدأ في المتابعة على راحته وأقل من مهله بعد العيد، ولكن هناك الكثير من الأعمال خصوصاً الخليجية التي كان التكرار ما يميزها ولا يشجع على متابعتها، فالمواضيع المطروحة وحتى الشخصيات لا جديد فيها، وإن تحدثنا عن الأعمال الجميلة فأنا شخصياً أعجبني الفنان عادل إمام في مسلسل «صاحب السعادة» وكان عملاً أسرياً وتربوياً بعيداً عن الإسفاف والصراخ والبكاء الذي كان ما يميز الأعمال الخليجية التي كانت تتفوق على غيرها من الأعمال بالمبالغة بقصات الشعر و«الميكب» المبالغ فيه، وبرأيي أنه من أفضل الأعمال الجميلة التي قدمها هذا النجم الكبير بالإضافة إلى النجم خالد زكي، وتألق الشاب رامي إمام في تصديه لإخراج هذا العمل مع والده. في البحرين كانت أعمالنا خجولة، فإذا استثنينا «أهل الدار» للمخرج أحمد يعقوب المقلة كعمل تراثي ويترجم في كل حلقة مثلاً من أمثالنا الدارجة والتي قدمت لنا صوراً كانت متداولة في الزمن الجميل للإنسان البحريني وبالتالي قدمت لنا مواهب جميلة لفنانينا الشباب وإن غاب الرعيل الأول من ممثلينا عن هذا العمل إلا الفنان سعد البوعينين وإبراهيم بحر وعبدالله وليد ومبارك خميس وعبدالله ملك، تبقى الأسماء اللامعة من جيل الشباب يتقاسمهم يوسف بوهلول وأحمد مجلي وخليل الرميثي وأمين الصايغ وسامي رشدان، بالإضافة لتواجد الفنان غانم السليطي، أما الجانب النسائي فكان الأكثر حضوراً لشفيقة يوسف وهدى سلطان، عدا هذا العمل لم تكن الساحة المحلية حاضرة في رمضان.ما لم يسر خاطري هو الخبر الذي تناقله الكثير من أهل الفن المحبين للفنان الصديق جمعان الرويعي على أنه اعتزل الأعمال الفنية تمثيلاً وإخراجاً، ولو أن هذا الخبر جاء كالصاعقة والذي أصابني والكثيرين من محبي هذا الفنان المتميز بالكارثة بأن تفقد نجماً له من الحضور على مستوى التمثيل والإخراج الكثير من التميز، فإخراجاً له العديد من الأعمال في البحرين والكويت كان آخرها في العام الماضي عندما قدم «برايحنا» العمل التراثي الجميل الذي أعاد الكثير من الوجوه الغائبة عن الساحة الفنية ولازال الجمهور البحريني والخليجي يتذكر العمل الجميل «سعدون» مع المخرج أحمد يعقوب المقلة والذي شاركه في البطولة الفنانان على الغرير وأحمد مجلي والكثير الكثير في مجال التلفزيون والسينما كذلك، الذي أتمناه أن يكون هذا الخبر سحابة صيف وتمر ليعود جمعان ويتألق كما عهدناه، أمنية يتمناها كل المحبين لهذا الفنان. عسى أن يعود رمضان ويبلغنا بحضوره وعسى أن تكون أحوال أمتنا العربية والدراما العربية بحال أفضل وأخبار كلها أفراح بعيداً عن الأحزان. الرشفة الأخيرة تلقى الرئيس إبراهام لنكولن رسالة من صديق له يسأله عن أعظم كتاب قرأه، فرد لنكولن: أعظم كتاب قرأته هو كتاب «أمي».