ليس هنالك من سلوك يكسر روح اليأس أكثر من القراءة، ومن يقرأ يتعلم، ومن يتعلم يفهم، ومن يفهم يدرك، ومن يدرك فإنه أحرز نصف الحياة.في الوقت الذي ينشغل فيه الكثير من شباب البحرين وحتى عجائزها بالسياسة، كان هنالك في الضفة الأخرى قوم لا يعبئون بتلك العدمية، فلا الأحداث السياسية أوقفتهم عن الزحف نحو معرض الكتاب الأخير لشراء أجمل المعرفة واقتناء أفضل الكتب، لأنهم يدركون أن تصحيح الواقع السياسي والفكري والثقافي لهذا المجتمع لا يكون إلا عبر بوابة المعرفة، والمعرفة لا تكون إلا من خلال الكتاب.في الوقت الذي يحاول بعض السياسيين وغيرهم اجتياز مطبات الواقع، وتخطي حاجز الزمن، من أجل استغفال العقول المشحونة بالوهم، كانت هنالك فئة تتجه نحو زيارة معرض الكتاب الأخير، لتبرهن للواهمين أن النصر والاستقرار والحب والمجد والعقلانية والألفة لا تكون إلا عبر نافذة المعرفة والإدراك، وهذا لا يتسنى لأحد إلا من خلال الكتاب، فمن يقرأ يستطع أن يميز الخبيث من الطيب، أما السياسة فإنها لا تستطيع فعل ذلك، فالكتاب حكمة، أما السياسة فإنها صراخ عادة ما يفوق الألم.مريح جداً أن نشاهد شباب وشابات يتدفقون جميعهم على زيارة معرض الكتاب، والأجمل أنهم يتفاعلون معه بكل تفاصيله، بل وجدنا هذا العام أن هنالك وجوهاً بحرينية شابة ساهمت ليس على مستوى شراء كتاب أو زيارة خاطفة لأجنحة المعرض وكفى، بل استطاعت أن تنجز ما لم ينجزه قادة سياسيون مشغولون بمعركة حصد النقاط، فقاموا بإصدار كتب تجاوزت كل التوقعات من حيث البيع والقراءة، وهذا الأمر يدلل على أن مجتمعنا وعلى الرغم من الظروف السياسية الحرجة التي تحيط به من كل جانب، إلا أنه مجتمع قارئ، ومحب للقراءة واكتشاف المزيد من المعارف الإنسانية.إن نجاح معرض الكتاب يمثل نجاح الرهان على هذا الشعب الذي يمرض لكنه لا يموت، فالكتاب هو زاده ومصدر معرفته وبوصلته نحو الحقيقة، ولهذا فإن البحريني يسعى دائماً أن يصاحب الكتاب في معرضه من كل عام، لكن هذا العام كان للمعرض رونق خاص، وذلك من خلال الفعاليات المصاحبة له، إضافة إلى أن غالبية زواره هذه المرة من فئة الشباب البحريني، هذا ناهيك أن الكثير من الإصدارات كانت لوجوه شابة وأخرى لوجوه جديدة، محاولة أن توصل رسالة لبقية شباب الوطن؛ أن الأمة الميتة تحيا بالقراءة، وما دمنا «أمة اقرأ»، فإننا سنقرأ بدلاً من أن ننجرف في عالم السياسة والجهل، وسيظل ما يميز الإنسان البحريني «كتاب».