أذكر لما كنت طالباً بالمرحلة الثانوية دخل علينا أستاذ النحو في أحد حصصه وكانت تعلو وجهه حمرة شديدة ما عهدناها من قبل، فوقف وقوفاً مهيباً أمام الفصل -وكان ذلك في موسم المطر ولكن لم تنزل علينا قطرة واحدة تلك السنة- فقال: ألا ترون أن السحاب يأتي أمثال الجبل وقد حمل بالمطر، ولكن لم ينزل منه شيءٌ بعد!! تعتقدون ما السبب؟؟فذهلنا من السؤال، فالحصة حصة للغة العربية، والمدرس ليس متخصصاً في العلوم الإسلامية!!فقال: أخبركم بالسبب كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا».. فوقع قوله وقعاً في قلوبنا حتى كدنا نبكي..الشاهد: ليس المقصود من إيراد هذه الحادثة بيان سبب الجدب والقحط، وإنما المقصود بيان أثر المعلم والمربي في قلب الطالب حينما يستشعر حقيقة الموضوع الذي يوصله للمتلقي، كما قيل: ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.إن مما يضعف لغة المصداقية لدى كثير من المعلمين في زماننا عدم استشعار المادة العلمية كخلق يتلبس به قبل تعليمه، لا أنها وظيفة يؤديها ويثقل بها مسامع الطلاب حتى تبرأ ذمته ويحلل راتبه.وليت شعري لو تمثل كل معلم قول ابن السماك وجعله نصب عينيه دائماً حينما قال:يا أيها الرجل المعلم غيره ...هلا لنفسك كان ذا التعليمفابدأ بنفسك فانهها عن غيها... فإذا انتهت عنه فانت حكيمفهناك يقبل ما تقول ويهتدي...بالقول منك وينفع التعليمحينها ستجد جيلاً فريداً قد جمع بين التربية والتعليم.. ومما يحسن الإشارة إليه في مثل هذا المقام ما جاء عن السلف رضي الله عنهم فكانوا لا يأخذون عن الرجل العلم حتى ينظروا إلى سمته وصلاحه وتطبيقه لما يقول فإن وجدوه كقوله أخذوا عنه وإلا أحجموا عن سماع حديثه.رزقنا الله وإياكم حسن القول والعمل* باحث شرعي