الرأي

وفـاء الأخـوة

المسير



عندما تكتب في بعض الأحيان تحس بأنك تحتاج للتأكيد والتذكير ببعض الأحاسيس المرهفة التي تمر أمام طيفك بين فترة وأخرى من فترات حياتك، أو تعيد من جديد كتابة موضوع عزيز على قلبك مضى عليه 14 عاماً، لأنه بالفعل يمثل لك حكاية جميلة في مسير الخير في حياتك، تحتاجها في كل يوم جديد من عمرك، إنه وفاء الأخوة الذي تكتحل به عيوننا في كل فترات حياتنا، فها هو رحيق الحب يملأ صدور المتحابين في الله تعالى، هذا الرحيق الأبدي الذي سيظل راسخاً في أعماق القلوب، شريطة أن يعطيه حقه من عرفه حق المعرفة، ويمشي في ركابه إن استطاع أن يحمل أمانة الوفاء الخالد الذي لن يحمل أثقاله إلا من سار في طور الحياة الساكنة الهادئة المليئة بسجل الذكريات التي تعاد على المسامع بين الفينة والأخرى.
جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: «نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما». إنه الوفاء الموصل إلى إكرام الصداقة أو بمعنى أخص إكرام مضامين الأخوة التي تجمع القلوب المتحابة والمتآلفة، ذلك الوفاء الذي يكشف في صوره عمق المحبة التي تجمع بين الأخ وبين صاحب الوفاء النبيل، وفاء نحتاجه في مراحل متقدمة من أعمارنا، لأننا بالفعل على موعد متجدد لأخوة خالدة رائعة بأحاسيسها في الدنيا، وفي الجنة التي أعد الله تعالى فيها الجزاء الحسن لأولئك الذين مارسوا الأخوة بمعانيها الحقيقية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «قال الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في». وقال عليه الصلاة والسلام «إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي». وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم صلى الله عليه وسلم: «ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه».
إنه وفاء تتشابك فيه الأحاسيس والمشاعر من أجل الله تعالى، وفاء يحفظ رباط الأخوة بنفس الثوابت التي تم غرسها في بداية المسير، وبنفس المنهج الذي تم السير عليه، أما إن غابت ملامح الوفاء ووضعه أصحابه في أدراج النسيان، فحينها من الصعوبة بمكان أن تستمر تلك العلاقات الجميلة، لأنها ستكون ضمن ذكريات مضت، وصفحات تتجدد من خلال «الصدفة الحياتية» غير المرتبطة بالمنهاج الإيماني الذي شرعه لنا ديننا الحنيف، إن المرء في أمس الحاجة في «زمن النسيان» إلى من يبره ويعطيه حقه ويوفي بوعوده، لأنه قد جبل على حب الخير وحاجة روحه إلى القوت الإيماني الذي لن يأتي بدون مقتضيات المحبة والأخوة الخالصة، وبالتالي فإنه يحز في النفس كثيراً عندما ترى من يضرب جميل زمان قد مضى بجدران الحياة القاسية، فلا يضع في حسبانه تلك الفوائد الجمة التي اكتسبها على يد أحباب له في الله، فلم يعد الآن بحاجة إلى تلك اليد الحانية التي مدت له، والتي أرشدته إلى المواطن السعيدة الخالية من تفاهات العيش، وكانت بجانبه دوما تعطيه الأمل والتفاؤل في طريق النجاح، تلك اليد الحانية التي كانت تفجر في نفسه ينابيع الخير، وتشد من أزره، وتدفعه إلى المزيد من الجهد على طريق الخير في أطوار الحياة المتغيرة.
نحن بحاجة ماسة إلى «وفاء أخوي حقيقي وصادق» يجعل حياتنا سعيدة هانئة متجددة بالخير، تعرف طريقها الصحيح نحو «الفردوس الأعلى»، نحتاج إلى وفاء أخوي لكل من كانت له بصمات مؤثرة في حياتنا، وساعدنا بالفعل بأن نكون «أنموذج خير» في المجتمع، نبذر فيه الخير، ونشيد بنيان الأمل والسعادة في كل النفوس، نحتاج إلى «وفاء أخوي» يفزع إلى كل بنيان له أجمل الذكريات في نفوسنا، وكانت لنا فيه بصماتنا المؤثرة في كل مرحلة من مراحل التشييد، نسعى إلى وفاء أخوي يقوم بواجبات الأخوة ويحفظ ودها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث يصفين لك ود أخيك، تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه»، وفاء يتلمس حاجات الأهل والأصحاب، ويفزع للقيام بحاجاتهم، يزورهم ويتفقدهم، ويشاركهم أفراحهم ويواسيهم في أحزانهم، لا يتردد أبدا أن يقوم بزيارة أخوية خاطفة لأخيه يسأل عنه ويبادله شؤون الحياة ويتناصح معه في الخير، زيارة تجدد معالم الإخاء، وتزيد من عرى المحبة، وترفع من درجات الإيمان في النفوس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، وذكر منها: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله..».
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يحبون الخير للآخرين ولإخوانهم في الله، ومن الموفين بحقوقهم، وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته.