المثير في البحرين هو أن الجميع يريد الحل والجميع يطالب بالحل والجميع يبحث عن الحل والجميع يصرح بما يريد ويطالب، لكن الجميع أيضاً يقول لا للمصالحة! ما يثير سؤالاً مهماً؛ إذا كان هذا يرفض المصالحة وذاك يرفضها، وهذا يريد أن يكون الرابح الوحيد وذاك يريد أن يكون هو الرابح الوحيد، فكيف يأتي الحل؟ منطقياً لا يمكن لطرف أن يكسب كل شيء، ومنطقياً أيضاً لا يمكن لطرف أن يخسر كل شيء، فالمكسب ينبغي أن يكون للجميع وينبغي أن تكون الخسارة على الجميع، كما لا يمكن منطقاً وواقعاً أن نحاسب بعضنا البعض على كل كلمة صدرت وكل فعل حدث في الأعوام الثلاثة الأخيرة، والتي جرى فيها كل ما جرى، فليس عدلاً الاحتكام للماضي، وإن كان قريباً ولا تزال الجروح طرية. من يبحث عن الحل والمخرج مما صرنا فيه عليه أن يكون على استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة، وإلا سيبقى الحال على ما هو عليه إلى أن تقوم الساعة. ومن يبحث عن الحل والمخرج عليه أن يؤمن بأن الجميع أخطأ وبأن على الجميع أن يتحمل الأخطاء التي حدثت، وعلى الجميع أن يكون على استعداد لتجاوز ما فات، فما فات مات. الخسارة لم تستثن أحداً والألم ذاقه الجميع، ولكن من غير المعقول أن يستمر هذا الوضع لأن استمراره يعني المزيد من الخسائر للجميع والمزيد من الألم للجميع، ويعني تهيئة الظروف لتعريض الوطن للمخاطر، خصوصاً في هذه الفترة التي يشهد فيها العالم العربي تحولات صعبة قاسمها المشترك هو التكفير وإلغاء الآخر والعنف والقتل والتدمير. نحن اليوم أمام خيارين؛ إما أن ننتبه لأنفسنا ووطننا ونقول كفى ما حصل ونتجاوزه لنبدأ صفحة جديدة ومرحلة جديدة وعمراً جديداً، وإما أن نقبل باستمرار هذا الوضع إلى يوم تقوم الساعة. لا خيار ثالث.الحل المنطقي والواقعي مهما كان مؤلماً هو أن ننفض عنا غبار السنوات الثلاث ونقول معاً كفى ما جرى، ونستأنف الحياة ونحاول أن نستفيد من التجربة، وهذا لا يكون من دون تنازلات ومن دون تجاوز وصفح ومن دون الإيمان بأن كل هذه التنازلات هي للوطن، وأن التنازل للوطن ليس هزيمة ولكنه انتصار له وللجميع. بالتأكيد لن يقبل المتطرفون من كل الأطراف ذات العلاقة بهذا الكلام وسيرفضونه، ولن يقبل به من لا تعينهم ثقافتهم على استيعابه وسيرفضونه، وسيرفضه كل من يغلب اللحظة على مستقبل الوطن، ولا يزال غير قادر على قراءة الساحة الإقليمية والدولية وما يجري فيهما من تطورات دراماتيكية، لكن ما ينبغي أن يدركه كل هؤلاء هو أنه لا طريق آخر أمامنا بديلاً عن هذا الطريق وإلا استمر الوضع على ما هو عليه، وصار عليهم وعلينا جميعا تحمل «تلايا» هذا الخيار. من يعتقد أنه سيخرج مما صرنا فيه منتصراً فهو مخطئ، ومن يعتقد أنه لن يخرج مما صرنا فيه خاسراً فهو مخطئ، فليس بيننا منتصر وليس بيننا إلا الخاسر، وكلما تأخرنا في التعامل مع الواقع بواقعية وبمنطق كلما تعقد الحل وزادت خسائر الجميع من دون استثناء. مؤلم ألا يكون أمامنا سوى هذين الطريقين؛ المصالحة أو بقاء الحال على ما هو عليه، ومؤلم أكثر ألا نختار المصالحة ونتحمل الآلام الناتجة عنها، فهي الخيار الأفضل وإن كان صعباً وقاسياً، ذلك أن الطريق الآخر أصعب وأقسى ولا ينتج عنه مصالحة تأخذنا إلى حيث نستأنف بناء الوطن ونعيش حياتنا التي لا يمكن أن تكون كلها مثل هذه الأيام التي عشناها ونصر على الاستمرار فيها بهذه الكيفية.
Opinion
المصالحة المرغوبة.. والمرفوضة
08 أغسطس 2014