البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية البحرينية بشأن هجرة البحرينيين، أو استقطابهم للهجرة إلى الخارج، يدل على أن الحكومة بدأت تستشعر خطورة هذه القضية على الأمن القومي البحريني. فالبحرين مثل أغلب دول الخليج العربي تعاني من انخفاض عدد السكان الأصليين مقارنة بالوافدين؛ وهو ما يستدعي حفاظ الدولة على النسيج الأصلي للبلد حماية لهويتها الوطنية. وللبدء في دراسة جادة حول أسباب هجرة البحرينيين والأسباب الكفيلة بالحد منها؛ علينا أن نلاحظ أن هذه الظاهرة تنقسم إلى شقين؛ الأول هجرة عائلات بحرينية عربية بأكملها وتجنسيها وهو ما صار يقلق الدولة. الثاني هجرة النخب الشبابية والكفاءات وهو ما لم يقلق الدولة لحد الآن.لاشك أن استقطاب عائلات عربية بحرينية بأكملها للهجرة وأن إغراءها بمنح الجنسية وتولية مناصب رفيعة، يعد تهديداً للبحرين بخلخلة بنيتها السكانية وتهديد هويتها العروبية وطمس تاريخها الذي شكلت القبائل العربية جزءاً مهماً فيه. وتزداد دقة المشكلة حين نلاحظ أن بعض العائلات التي هاجرت أو تعتزم الهجرة هي من العائلات الميسورة التي لا تعاني من مشكلات مادية ولا يقف أبناؤها في طوابير التوظيف أو طوابير الخدمات العامة كالإسكان أو البعثات الدراسية أو العلاج في الخارج؛ مما يجعل تأثير الصراعات الإقليمية في الخليج في هذه القضية حاضراً بقوة، كما إنه يؤدي إلى زج العائلات الخليجية في الشأن السياسي الملتبس في هذه المرحلة وخلق حالة تأزم في العلاقات «الشعبية» الخليجية. وهي المنهجية ذاتها التي يقوم عليها مخطط «سايكس بيكو 2» الهادف إلى تفكيك الدول من الداخل، من الشعوب نفسها، قبل تفكيكها سياسياً.على الحكومة وهي تناقش مشكلة هجرة العائلات البحرينية وتبحث لها عن حلول ألا تنجر خلف تعميق الحالة القبلية في البحرين باسترضاء بعض تلك العائلات أو منحها أوضاعاً استثنائية. إذ إن ذلك يعمق الحالة القبلية في البحرين ويضعها بين فكي كماشة «المؤامرة» إما هجرة تلك العائلات أو صبغ البحرين بالصبغة القبلية التي ستتلقفها بعض الأطراف المستعدة سلفاً وتروجها في منظمات حقوق الإنسان بأنها شكل من أشكال التمييز بين المواطنين.الهجرة الثانية، وهي الأقدم والأكثر كثافة، ولم تولها الحكومة الاهتمام الكافي، وهي هجرة نخب الشباب والكفاءات المهنية. وهذه الفئة بدأ شعورها بالتهميش يزداد مع ازدياد ملفات الفساد التي ضاقت بها خزانات أجهزة ديوان الرقابة المالية والإدارية. يشعر العديد من أفراد هذه الفئة بأنهم لم يوضعوا في المكان الذي يناسب مؤهلاتهم وإمكاناتهم وقدراتهم على العطاء ومن ثم يشعرون بتقلص الفرص التي تمكنهم من «الإنجاز» وتحقيق الذات. هذه الفئة في حقيقتها «مهجوسة بالإنجاز» وليس بتولي المناصب. لذلك فإننا نستطيع أن نحصي سريعاً أسماء شباب بحرينيين هاجروا وتألقت «إنجازاتهم» في المواقع التي شغلوها واستغلوا الدعم السخي الذي حصلوا عليه استغلالاً حكيماً ومثمراً.هجرة فئة الشباب والكفاءات المهنية لا تقل خطورة على أمن البحرين واستقراره من هجرة العائلات العربية. فالعديد من المشاريع التطويرية التي تعرقلت ولم تحقق النجاح الذي أسست من أجله سببه تكليف قليلي الخبرة والإمكانية بإدارتها، واستبعاد الجادين والمثابرين. وحل المشكلة يكون أساساً بوضع نظام يكفل الاستفادة من الطاقات الشبابية ومن استثمار كل الكفاءات البحرينية لخدمة البحرين. فكيف يصبح البحريني خبيراً ومستشاراً ومبدعاً خارج البحرين في الوقت الذي تبحث فيه البحرين عن الخبراء والمستشارين من الخارج لتنفيذ مشروعاتها التطويرية؟وفي الوقت الذي تستقبل فيه البحرين العديد من الوافدين كخبراء ومستشارين وعاملين؛ فإن هجرة البحرين حسب ما يدور بين الناس في ازدياد وهو ما يعد خطراً يهدد استقرار البلد ومستويات التنمية فيه. بالتالي فإن قضية الهجرة، باعتبارها ملفاً متكاملاً، تستحق الدراسة والبحث وإيجاد حلول ناجعة فعلاً.