ليس هنالك أكثر ذكاء وربما دهاء من الجماعات الإسلامية، حيث إنها أكدت حضورها القوي في أوساط جماهير العالم الإسلامي قاطبة، وذلك حين ربطت وجودها بالسياسة، وربما بالاقتصاد تارة وتارة أخرى بالسلاح، وبذلك خرجت من عباءة المسجد وتوابعه إلى عباءة السياسة وأخواتها.لم تعد الجماعات الإسلامية مجرد جماعات عادية؛ بل أصبحت جماعات مسلحة، وربما في بعض الدول تعتبر حكومات ظل أو حتى جيوش ظل، لأنها استطاعت أن تلعب على وتر الدين والسياسة معاً فأنتجت لها قواعد صلبة في كل العالم الإسلامي.ليس هذا وحسب؛ بل هناك الكثير من الجماعات الإسلامية المسلحة تتحصل على دعم مطلق من بعض الدول الكبرى والصغرى، وذلك حسب المصالح المشتركة بينهم، ولأن بعض الدول كانت سخية للغاية في دعمها للجماعات الإسلامية استطاعت أن تحولها من جماعات أو مليشيات مسلحة إلى جيوش قوية، تخشاها الكثير من الدول. إن من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها بعض الدول، وعلى رأسهم أمريكا، هو في دعمهم «الحاتمي» للجماعات الإسلامية، المتطرفة منها على وجه الخصوص، هذا الدعم الذي لم يكن وفق استراتيجيات محسوبة أو وفق قيم إنسانية وعقلانية رشيدة، جعل من تلك الجماعات مصدراً للإرهاب والتطرف والقتل وإراقة الدماء، حتى أن الكثير من تلك الجماعات باتت حقيقة واقعية لا يمكن استئصالها أو حتى محاربتها، بل توسعت وتمددت بشكل مخيف في كل أنحاء العالم، حتى أصبحت كمرض السرطان الذي يستشرى في كل الجسم ليصبح أمامنا حقيقة مؤلمة وموجعة. إن فتح خزائن الدول ومخازن أسلحتها للجماعات الإسلامية المسلحة دون رقابة أو حدود مكنها أن تتحكم في القرارات السياسية والدولية، كما أن الكرم الدولي بإعطاء تلك الجماعات «شيكات مفتوحة على بياض» لتمرير بعض المصالح الاستراتيجية والسياسية للدول الداعمة، شكل منعطفاً خطيراً أدى إلى ضعف المجتمعات المدنية، وانحسار دور الدولة في الإبقاء على حظوظها في فرص السلام وتثبيت الأمن.إن تحول الجماعات الإسلامية إلى جماعات مسلحة إرهابية تكفيرية يعني أننا بدعمنا لهم كدول أو كمجتمعات قوضنا كل أشكال المدنية الحديثة، وهذا أخطر ما في هذا الموضوع، فسقوط مفهوم الدولة وانهيارها بيد الجماعات الإرهابية المسلحة يعني أنهيار تام للبناء الحضاري الذي تم تشييده في هذا القرن وما سبقته من قرون، وساهمت فيه البشرية في التطور والعطاء الإنساني.سيخرج الكثير من الإسلاميين معترضين على توصيفنا لغالبية الجماعات الإسلامية بالتطرف والإرهاب بطريقة متطرفة أيضاً، لأنهم يدركون حجم الخسارة التي سوف تخسرها جماعاتهم جراء تعريتهم من هالة القدسية المزيفة التي أسبغت عليهم زوراً في مرحلة سياسية محضة، اتسمت بالمصلحة المجردة والفوضى غير الخلاقة، وهنا نريد أن نؤكد أن الجماعات الإسلامية بكل أطيافها ومذاهبها ليست هي الإسلام، فالإسلام «شيء» والجماعات الإسلامية المتطرفة «شيء» آخر، وما يربط بينهما هو المسمى فقط، أما المضامين فهي أبعد ما تكون عن جماعات الإسلام السياسي.نصيحتنا للدول الداعمة للجماعات الإسلامية المتطرفة، تحت طائلة ظروف سياسية خاصة، أن ترفع كل أشكال الدعم عن تلك الجماعات، وأن تستحضر كل المشاهد البشعة التي نراها كل يوم عبر «يوتيوب» وغيره، من مشاهد مروعة لسفك الدماء وقطع الرؤوس وتشويه متعمد لكل القيم الإسلامية التي بنيت على أساس من التقوى والمحبة والسلام والخير. أوقفوا دعم التطرف ولو من أجل مصالح سياسية ضيقة، بل وحاربوا كل جماعة تطلق على نفسها زوراً وبهتاناً بأنها جماعة «إسلامية»، في حين الإسلام منهم براء. جففوا منابع الإرهاب قبل أن يقضي على كل أمل في الحياة والعيش المشترك، جففوه قبل أن يجففنا ويجفف إسلامنا الطري الناعم الجميل.