بقدر ما حظي فوز المشير السيسي بالانتخابات الرئاسية المصرية من اهتمام، بقدر ما يثير هذا التطور المهم العديد من التساؤلات حول مستقبل العرب بعد تغير الأوضاع وتزايد التطرف، واحتمال عودة مصر إلى دورها الإقليمي الرائد، وتفاقم حالة عدم الاستقرار من شرق الوطن العربي إلى غربه، وإعادة تشكيل العلاقات الخارجية للدول العربية من جديد.فوز المشير السيسي برئاسة مصر عبر دعم شعبي لافت جاء في توقيت مفصلي مهم، لأنه يعكس انتهاء مرحلة من استقرار الفوضى تقوم على تغير اتجاهات الرأي العام العربي نحو قناعات لم تكن سائدة قبل ثلاثة أعوام من الآن، وهي قناعات من شأنها تغيير الاتجاهات السائدة، ويمكن التدليل بذلك على الرغبة التي كانت ملحة قبل فترة بشأن تغيير الأنظمة السياسية الحاكمة، ولكنه مطلب بات مختلفاً اليوم عندما لم تتمكن الشعوب من تحقيق هذا المطلب واقتصرت قدرتها على تغيير النخب السياسية الحاكمة فقط، فظهر التطرف وتحوّل المطلب إلى الرغبة في تحقيق الأمن والاستقرار بهدف توفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة. في الوقت نفسه فإن هناك تحولات إقليمية ودولية جارية، يمكن الأبرز فيها انشغال الغرب اليوم بتطورات الأزمة الأوكرانية، ومحاولة موسكو إعادة مجد هيمنتها التاريخية في النظام الدولي على يد الرئيس الروسي بوتين. وهي تطورات قد تشهد ظروفاً دراماتيكية خلال الفترة المقبلة نتيجة عدم استقرار الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، فليس متوقعاً أن يظل الغرب مكتوف الأيدي أمام ظهور تهديد بعدم استقرار هذه المنطقة المهمة التي تحولت إلى بؤرة صراع روسي ـ غربي لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق مطلع التسعينات من القرن العشرين. من الواضح أيضاً أن هناك رهاناً عربياً على فشل المشروع الأمريكي بإعادة تشكيل الشرق الأوسط وتفتيته في كيانات أصغر قائمة على التكوينات الإثنو ـ طائفية. ولكن الحقيقة الأهم في هذا الرهان أن أصحاب المشروع لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام التطورات الجارية في الشرق الأوسط، وتراجع النفوذ الأمريكي هنا، فمداخل التغيير السياسي مازالت قائمة مع استمرار عوامل القابلية للتغيير في الدول العربية. مقابل هذا المشهد الواسع بتفاصيله المعقدة، يمكن القول إن تطور المشهد المصري يدل على أن العرب أمام تطورات 4 يمكن رصدها بشكل مبكر الآن، تتمثل في الرمزية التي يمثلها فوز المشير السيسي لانتهاء نفوذ الجماعات السياسية الإسلامية المختلفة في الوطن العربي، وهو ما من شأنه أن يخلق فراغاً ستتنافس عليه الجماعات المتطرفة خلال الفترة المقبلة. والتطور الثاني يتمثل في تراجع مطالب الديمقراطية العربية لصالح مطالب الأمن والاستقرار. ولكن التطور الثالث يعد تطوراً إيجابياً مع احتمالات عودة مصر لدورها الإقليمي وظهور محور ثلاثي رئيس في النظام الإقليمي العربي أضلاعه الثلاثة «الرياض، والقاهرة، وأبوظبي» وهي فرصة تاريخية للحد من التدخلات الخارجية في الخليج العربي والدول العربية بشكل عام. ولكن التطور الرابع يعد تحدياً كبيراً لأن بيئة الفوضى واستقرارها ستساهم في زيادة التنافس الدولي على المنطقة بما تمثله من دلالة على الهيمنة في النظام الدولي.
Opinion
العرب بعد فوز السيسي «1/5»
01 يونيو 2014