كثيرون استغربوا من سبب تعليقي في مكتبي خريطة (حدود الدم) التي أعدها المحلل العسكري الأمريكي رالف بيترز ونشرها في صيف 2006، وهي الخريطة التي حلل فيها منطقة الشرق الأوسط واقترح تصورات جديدة لإعادة تقسيم الدول العربية وفقاً لمعايير إثنو ـ طائفية من أجل ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة بدلاً من الحدود السياسية القائمة حالياً.هذه الخريطة ظلت في المكتب لسنوات، وحسبما أذكر أنني قمت بإزالتها عندما تغيّر المكتب، وكل هذا قبل اندلاع ما يسمى بالربيع العربي، لا أعرف السبب الذي دفعني لتعليق هذه الخريطة بما تعرضه من تصور (قبل وبعد) التغيير السياسي المرتقب. ولكن أذكر جيداً أن هذه الخريطة كانت سبباً للحوارات مع الكثير من الزملاء الكتاب والصحافيين الذين جلسوا معي في المكتب لأوقات قصيرة للأسف. بعضهم كان يتحدث عن نظرتي التشاؤمية لمستقبل الشرق الأوسط، وآخرون كانوا يرون أنها مؤامرة مستقبلية، وبعضهم كان يقلل من أهمية الخريطة والبحث الذي أجري بشأنها. اللافت أن المنطقة شهدت تحولات هادئة طوال السنوات التي سبقت شتاء 2010 لتبدأ بعدها الدراما سريعة للغاية حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة من التراجيديا، وغالباً ما يتم التركيز على النتائج في التحليل، ويتم تجاهل العوامل والأسباب والدوافع التي أدت إلى هذا الوضع. خريطة حدود الدم لم تتناول السودان نهائياً، ولكننا شاهدنا كيف تم تقسيم السودان بين سودان شمالي وآخر جنوبي ليست العلاقة بينهما على ما يرام. ولذلك استغربت مع عدد من الزملاء عن سبب عدم ذكر تقسيم السودان في دراسة بيترز، ولكن يبدو فعلاً أن الدراسة ليست معنية كثيراً بالسودان، فالقادم كان أعظم.سقطت تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وأخيراً سوريا في فوضى خلاقة، وبات من الصعب إنهاء استقرارها سريعاً، فهي بحاجة لسنوات طويلة لمعالجة هذه الفوضى. وفي حالات سوريا والتطورات الأخيرة في العراق، فإنني لا أعتقد أن المعالجة ستؤدي إلى الحفاظ على وحدة هذه الدول، بل التفكيك هو الخيار الذي تتجه له، خاصة وأنه ليس بديلاً اختيارياً، بل هو بديل يفرضه الواقع وعوامل الجغرافيا السياسية. لو عدت اليوم مرة أخرى، وعلقت خريطة رالف بيترز لا أعتقد أنني سأزيلها مرة أخرى، لأنه يمكن رؤية مستقبل المنطقة من خلالها، والاحتجاجات المتصاعدة، والصراعات الإثنو ـ طائفية السائدة هي المسيطرة الآن، وهي التي تحدد الخريطة الجديدة لمستقبل الشرق الأوسط، أو على الأقل منطقة غرب آسيا.
Opinion
حدود الدم
17 يونيو 2014