يخطئ من يذهب بفكره بعيداً ويتصور أن مشكلة الحكم في العراق مرتبطة بشخص المالكي، فما هو إلا ألعوبة تحركه أصابع خفية، وما حدث من صفقة باتفاق الأطراف الدولية باستبداله بأحد صقور حزب الدعوة ليس إلا تبادل أدوار.فبإزاحة المالكي من المشهد بهذه الطريقة المكشوفة وإصرار جميع الأطراف بإبقاء حزب الدعوة وصقوره في سدة الحكم بحجة الاستحقاق الانتخابي، الذي يعلم الجميع مدى هشاشته وبطلانه، وتجلى ذلك مع إذاعة الإعلان بتكليف السيد حيدر العبادي برئاسة الوزراء، حيث زحفت عشرات الآلاف من الحانقين على سياسة المالكي الطائشة ودولة القانون وحزبه، بإهانة شخصه بالهوسات والأهازيج العراقية، وإسقاط جدارياته وطرد قواته، وهو الذي كان يتبجح إلى وقت قريب بمنحه أصواتهم.أما إصراره بعد ذلك بعدم شريعة انتخاب خلفه؛ فما هي إلا زوبعة في فنجان، ومسرحية هزيلة يداري بها فشله بتخلي أسياده عنه، لكنه في قرارة نفسه يعلم يقينا أن هكذا قرارات مصيرية لا تطبخ ولا تعد في بيته الشيعي ولا في أروقة التحالف الوطني، حيث رضخ لها صاغراً، فكلنا يعلم أن الرحم الإيراني لم يصبه العقم بعد.إن ما أنتجه هذا الرحم بمقدوره أن يستأنف ما بدأه بكره عبدالعزيز الحكيم ثم الجعفري ثم أعقبه البار بأمه المالكي وليس آخرهم العبادي، فمشكلة العراق السياسية لا تنفرج باستبدال شخص المالكي بشخصية أخرى تدور في الفلك الإيراني. إن التغيير المنشود الذي تصدعت به رؤوسنا على مدى الأشهر المنصرمة بدءاً بالدعايات الانتخابية الجوفاء التي نادى بها رؤساء الكتل، وساهم في نشرها عدة فضائيات مأجورة همها الوحيد زيادة رصيدها من السحت الحرام، وهم يعلمون قبل غيرهم أن هذه الطروحات الوطنية والدعايات لا وجود لها على أرض الواقع، ومن الصعوبة بمكان، إن لم نقل استحالة، تحقيقها ثم ما نادت به المرجعيات وعلى وجل بضرورة إحداث تغيير، ثم الضغوط الدولية نتيجة الغليان الشعبي بسبب الإقصاء والتهميش والإبادة الجماعية لمكون السنة الشريك الرئيس والفعال في العراق، ونصب العداء للأكراد، ثم دخول تنظيم داعش الإرهابي على الخط، كل الأسباب أعلاه أحرجت إيران أيما أحراج، وقرروا في نهاية المطاف إيجاد مخرج للمأزق العراقي حتى وإن أطاحوا ببعض عملائهم، ليس حباً بالعراق وشعبه بل استشعروا خطورة الموقف الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من التفلت والانفجار، وبعد أن كاد ينفذ صبر رجالات البيت الأبيض وباقي الدول الكبرى، حيث أيقنت إيران أن حكم الشيعة الموالين لها سيصبح في خبر كان إن لم يستدركوا أمرهم ويزيحوا عن المشهد عميلهم.بات الكل متأكداً أن إيران وكل رجالتها بدءاً بالمرشد الأعلى ومروراً بقاسم سليماني وخليفته خشماني وفرائي دن والكثير من خبرائهم وساستهم الذين يديرون الملفات الخارجية أذكى وأدهى من أن يغفلوا عن أي خيط من خيوط اللعبة تشرد من أحد أصابعهم. فإيران بدهائها قد أعدت لكل مرحلة يمر بها العراق ما يناسبها، وهي بالتأكيد قد اخترقت كل الكتل الكبيرة ومن كل الطوائف، ولديها ما تستخدمه من الوسائل للضغط عليهم عند الحاجة.لن تفرط إيران بالعراق الذي قدم إليها على طبق من ذهب هدية من الشيطان الأكبر من أجل كرسي المالكي، والذي تخلت عنه باللحظة الحاسمة بعد ما اصطدم هدفها دولياً وإقليمياً وداخلياً، فلديها من هو أخلص من المالكي، استوعبوا اللعبة والمؤامرة يا قادة العرب ويا قادة الدول النامية والإسلامية ويا نواب المرحلة في شعوب المنطقة، ويا أيها الشعب العراقي المغلوب على أمره أن التغيير المنشود سلب من يد شعوب المنطقة، حيث ثبت بالتجربة أن التغيير لا تصنعه الصناديق المنمقة ولا الأخبار المرقرقة ولا الإبهام الذي سوى الله بنانه ولحكمته خلقه.التغيير المنشود يأتي متى ما هيأ الله لهذه الشعوب المنكوبة رجالاً كصلاح الدين الأيوبي والعز بن عبدالسلام ومحمد مهاتير والشهير لولا دا سلفا رئيس وزراء البرازيل السابق، الذي أبهر العالم بنزاهته وصبره وتفانيه لبلده، ولا أقول أردوغان المعجزة، مخافة أن يثير ذكره أعداءه من سياسي العرب والعراق، وربما لا يكمل بعضهم قراءة المقال، وربما يتهمنا بعضهم لغاية حشر اسمه، والكثير من القادة الذين لا يتسع المجال لذكرهم ومن سلفنا الطيب الصالح، رجالاً يتقنوا فن السياسة والحوار همهم هو بلدهم وتعلوا أنفسهم عن زهرة الدنيا وزينتها ولا يدوروا في أي فلك ومدار.إن التغيير الذي ترنو إليه وتنشده شعوب عالمنا العربي والإسلامي وضلوا الطريق مرة بما يسمى الربيع العربي، وأخرى بالزحف إلى الصناديق التي أثبتت الأيام أنها أكذوبة العصر، ويعلم يقينا من يدير دفة السياسة في أرجاء المعمورة أنها تعد سلفاً في كواليس الدول الكبرى ومطيتها مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة المهيمنة على مقدرات العالم الثالث وليس في صناديقنا.نعم أنها الأكذوبة والمسرحية التي روجت لها الآلة الأمريكية وباقي الدول من العالم الأول ومخابراتها، وسوقوها لنا على أنها الديمقراطية المثلى، وللأسف صناديقهم تنبض بالحياة وصناديقنا لا تصلح إلا لحفظ الموتى أو النفايات.