طلب مني أحد الزملاء الصحافيين أن أدلي برأيي حول تحقيق صحافي عن دوافع المترشحين في خوض المعترك الانتخابي القادم، وما مدى صحة هذه الدوافع.أعجبني موضوع التحقيق؛ فبالفعل هناك عدد من المترشحين الذين بدؤوا يعلنون عن رغبتهم في الترشح بدواعٍ كثيرة، أغربها هو أنهم أقدموا على هذه الخطوة نتيجة الضغوطات والإلحاح المستمر من أهالي المنطقة.وإذا ما اقتربنا من الصورة أكثر سنجد أن من يتكلم عنهم ويدعي أنهم يمثلون أهالي المنطقة هم نفر قليل من أصدقائه أو أقاربه أو جماعته، والذين يؤازرونه ويشجعونه على خوض هذا المعترك، ويدعون أنه يصلح لشغل هذا المنصب، وأنه أفضل من النواب الحاليين، وأنهم سيمنحونه صوتهم، وسيقفون معه في كل المراحل حتى يتربع على كرسي البرلمان.ولو اقتربنا أكثر وأكثر سنجد أن بعض هؤلاء المقربين منه والذين يلحون عليه بترشيح نفسه هم ليسوا من أبناء المنطقة أصلاً، والمخجل في الأمر أكثر إذا ما كان هذا المرشح ليس من سكان المنطقة التي ينوي الترشح فيها، وأن كل صلته بهذه المنطقة هو عنوان مسجل في الجهاز المركزي للمعلومات يثبت أنه يسكن هذه المنطقة، قد يكون بيت والده هناك مثلاً، أو يملك عقاراً في المنطقة مسجلاً عليه بياناته، أو انتقل مؤخراً بعد أن أخذ قرار الترشح في هذه المنطقة.المشهد الانتخابي ليس بغريب على شعب البحرين الذي بدأ ينضج في الجانب الانتخابي وبدأ يدرك دهاليز اللعبة الانتخابية، ويعرف جيداً «حركات المرشحين»، وبدأ يعي بأهمية المجلس البرلماني، ويضع جل أحلامه على ممثل الشعب الذي سيختاره ليمثله تحت قبة البرلمان، وليوصل صوته وليستحق لقب «ممثل الشعب».ومع أن الرأي العام يوضح سخط الشارع البحريني على «النواب»، الذين لم يحققوا ما يطمح به المواطن البحريني، ولم يوصلوا صوته ليتشكل في هيئة تشريعات تصب في صالح الوطن والمواطن، إلا أن المواطن البحريني سيشارك في العملية الانتخابية ليمارس حقاً من حقوقه الأصيلة، وسيصوت للشخص الذي يعتقد بأنه الشخص الأفضل والذي يستطيع أن ينقل تطلعاته بكل وضوح وشفافية.من تجاربنا الانتخابية السابقة، رأينا العجب العجاب وأعتقد بأننا سنشهد منافسة شديدة بين المرشحين الذين بدؤوا يعربون عن نيتهم في الترشح للمجلس البلدي والنيابي القادم. وأعتقد أنه يجب على المرشح أن يعلل سبب رغبته في الترشح بصيغة هدف واضح المعنى قابل للقياس يتسم بالمرونة. وأن يبتعد عن القوالب الدعائية الجاهزة وغير المنطقية مثل «إنني رشحت نفسي بناءً على رغبة أهالي المنطقة»، الذي يذكرني إلى حد كبير بالسبب الذي قد تذكره البنت على استحياء عند رغبتها بالارتباط بشخص تحبه ولكنها تخجل من الإفصاح عن رغبتها وتقول العبارة الدارجة «تزوجته بناء على رغبة أهلي».عزيزي المرشح كن أكثر وضوحاً وأفصح عن نواياك الخفية عن الترشح، واستخدم شعارات من الممكن أن يتقبلها الناخب البحريني وأن تكون قابلة للتطبيق، لكي تكسب تأييده.فلا نريد أن يخرج لنا مترشح يريد أن يجعل ماء البحر حلواً، ولا أن يجعل الشمس تشرق من الغرب، لا نريد برنامج عمل هلامياً أو خيالياً، لا نريد شخصاً يريد أن ينقل المطار من مكانه، ولا أن يضع لنا صورة نمر أو أسد.بل نريد مترشحاً صادقاً أميناً يقطع على نفسه عهداً أمام الله وأمام ناخبيه بأن سيعمل بإخلاص من أجل الوطن والمواطن، وأن يكون شغله الشاغل هو التواصل مع المواطنين، لا نريده أن يتواصل مع ناخبيه في فترة الانتخابات فقط؛ بل نريد أن يكون مجلسه مفتوحاً دائماً لسماع هموم المواطنين ليكون قادر على توصيل أفكارهم وتطلعاتهم إلى البرلمان لتحويلها إلى تشريعات يستفيد منها الجميع.أما إذا كان هدفك من وراء الترشيح الراتب المغري ومزايا وبرستيج المقعد البرلماني والسفرات التي ليس لها عد ولا عدد، أو هدفك خدمة مصالح جماعتك أو جمعيتك بشكل خاص ضارباً في عرض الحائط مصلحة الوطن والمواطن، فلا تتفلسف، ولا تسوف ولا تكذب ولا تدعي بأنك سترشح نفسك رغبة على بناء رغبة الأهالي.وتأكد يا عزيزي المترشح بأنه قد يكون من السهل على أي شخص أن يكون نائباً، ولكنه ليس من السهل أبداً أن تكن نائباً كفؤاً.. وتأكد بأن التاريخ سيوثق جميع هذه المراحل وسيكون شاهداً على ذلك.