تصريحان جميلان نسبا لنبيل رجب في اليومين الماضيين يستحق عليهما الشكر؛ الأول هو نفيه ما ذكرته بعض وكالات الأنباء من أنه قال في مؤتمر صحافي عقده في جنيف إنه جاء ليحض كل الأمم المتحضرة على اتخاذ إجراءات ضد «بلاده»، حيث ذكر أن الصحافيين أساؤوا الفهم وأنه لم يقل هذا الكلام ولم يقصده، وأنه أوعز لشركائه هناك لتوضيح الأمر. والثاني هو انتقاده لتطاول أحد المقيمين في الخارج على بعض المسؤولين بوزارة الداخلية في جنيف عندما اعترض طريقهم وقام بتصويرهم من دون موافقتهم وتسجيل الحوار الذي دار بينه وبينهم، والذي احتوى على شتائم وجهها إليهم، حيث نقل عن رجب إنه لا يوافق على ما قام به ذلك الشخص وإنه لم يكن مناسباً رغم تعاطفه معه. تصريح ثالث سبق التصريحين المذكورين يستحق رجب عليه الشكر أيضاً هو تأكيده أنه ضد ممارسة العنف وأنه يحرص على العمل السلمي ويحض عليه. لكن ما مدى واقعية التصريح الأخير؟ وهل بالفعل لم يدع الأمم المتحضرة إلى اتخاذ إجراءات ضد البحرين؟ وهل سيظل ملتزماً بموقفه فيما يخص التطاول على الآخرين وما قام به ذلك الشخص؟ شخصياً أتمنى أن تكون التصريحات الثلاثة المنسوبة إليه دقيقة، وأن يظل ملتزماً بها ومصراً عليها ومدافعاً عنها وعن مواقفه. لكنني أشك أن يظل كذلك، لا لشيء وإنما لأنني أعرف أنه لو أصر على هذه المواقف سيتم لفظه من قبل مؤيديه ورافعي صوره، ولن يسمع له أحد من أولئك الذين هم مع العنف قلباً وقالباً ويؤيدون ما فعله ذلك الشخص في جنيف ويدعون إلى اتخاذ الإجراءات ضد البحرين. كي لا أظلمه فإن نبيل رجب كرر عدة مرات منذ خروجه من السجن قوله إنه ضد العنف وإنه يدعو إلى العمل السلمي، لكنني أجزم أنه لن يستطيع مواصلة هذا النهج لأن مؤيديه لا يريدون منه هذا العزف الذي لا يطربهم، لذا فإنه سيكون أمام أحد خيارين؛ إما التراجع عن موقفه جهراً أو الثبات عليه ظاهراً ونقضه سراً، عدا هذا فإنه يخسر كل أوراقه كما خسرها الذين من قبله من «القادة» الذين لم تعد لهم تلك «الشنة والرنة» بعد إقدامهم على التصريح بما لا يهواه ذلك البعض عن الانتخابات. أما انتقاده لتصرف ذلك الشخص والذي هو بالفعل تصرف غير لائق ويعبر عن قلة حيلة و«ثورية طفولية»، فأتمنى أن يثبت عليه لأن الثبات عليه انتصار لقيم الحضارة بينما التراجع عنه تأكيد لنهج لا يليق بأناس ينتمون بطريقة أو بأخرى لبلد حضاري هو البحرين.وأما نفيه للتصريح الذي كان بالفعل غريباً فهو أمر طيب، لكن من يراجع تصريحاته في لقائه ذاك في جنيف لا يستنتج إلا أنه يدعو إلى اتخاذ الإجراءات ضد البحرين، لأنه لو لم يذهب لتوجيه هذه الدعوة فإنه لا قيمة لزيارته ولا لعقده المؤتمر الصحافي ولا للقاءاته مع المسؤولين هناك. نبيل رجب ذهب إلى جنيف ليوجه تلك الدعوة، هذه هي الحقيقة، وهذا هو ما يريده منه مؤيدوه، ولو لم يفعل لخسر كل رصيده لديهم، وهم يدركون جيداً ظروف نفيه للخبر ويعرفون أنه إنما يقول كذلك «لزوم الشيء أعلاه»!مشكلة نبيل رجب وكل «القياديين» الذين «يلعلعون» ليل نهار هي أنهم يضطرون إلى التصريح بما يرضي رافعي صورهم لأنهم يعلمون أنهم لو قالوا غير ذلك لخسروا مواقعهم وانتهى أمرهم. أما إن قالوا وتبين لهم أن ما قالوه مبالغ فيه أو مكشوف فليس أمامهم سوى تخفيفه أو نفيه مع الحرص على إرسال رسالة بالسر إلى المعنيين بأنهم مضطرون لنفي ما قالوه لاعتبارات ينبغي تفهمها!