نحن دولة نقول بأننا دولة مؤسسات وقانون، ونحن دولة تقول بأن الشعب مصدر السلطات وأن حرية التعبير مكفولة ورأي الناس مهم جداً.وعليه مثل هذه الشعارات لابد لها من تفعيل وتطبيق حقيقي، هذا إن كنا نؤمن بها.مسألة حرية التعبير وإيصال رأي الناس وأصواتهم، مسألة باتت اليوم من الأهمية بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال منع وصول ردات فعل الناس ورؤاهم.نؤمن بأن المواطن من حقه التعبير عن رأيه، بل يجب علينا اليوم كل في موقعه أن يدافع بقوة عن حق الناس في التعبير، تعبيراً يدخل ضمن أسلوب النقد الراقي الهادف الذي يسعى لصالح البلد وأهله.في المقابل، أمر طبيعي جداً أن نجد شريحة من الناس وبالأخص من مسؤولين وغيرهم، لا يعجبهم حينما يعلو صوت المواطن بالنقد والإشارة للأخطاء، وبيان أن هناك نواقص سببها سوء أداء وقصور في القيام بالواجبات.هذه الممارسات خاطئة في زمن بات اليوم صعباً جداً منع وصول صوت المواطن عبر شتى الوسائل المتاحة، وفي زمن باتت الأخطاء تنكشف بصورة أوضح وأسرع، لا يمكن بأي حال من الأحوال الظن بأن السيطرة على رأي المواطن مسألة سهلة! أصلاً محاولات السيطرة مرفوضة تماماً في مجتمع يرفع من شعاراته حرية التعبير.في حديث رسولنا الكريم صلوات الله عليه، شخص حال الناس وما يتوجب عليهم فعله إن رأوا منكراً أمامهم، هذا الحديث في صلبه معني برأي الناس وحرية التعبير وإسهامهم في تصحيح المجتمع، بالتالي كلنا نعرف بأن إنكار المنكر درجات، بداية باليد مروراً باللسان وصولاً إلى القلب وهو أضعف الإيمان.لا نريد للمواطن أن يكون إنكاره للأخطاء بالقلب فقط، في وقت يمكن فيه أقلها ضمان حقه في إنكار الأخطاء باللسان والقول، باعتبار أن التغيير باليد يتم اليوم وفق القوانين والمؤسسات المسؤولة، وهي بالتالي يقع على عاتقها المسؤولية الأولى والأكبر في التصحيح.لدينا مشكلة صريحة وهي متأصلة منذ عقود في مسألة بيان الأخطاء، ودائماً ما يقول الناس بأن كثيراً من الأمور لا تصل بصورتها الصحيحة لقيادة البلاد، لأن ناقليها لا ينقلونها بشكلها الصحيح باعتبار أن بعضها يمس هؤلاء المسؤولين ويضعهم في خانة المساءلة عن التقصير والإخلالات.هذه المشكلة يجب أن يكون مصيرها الزوال، صوت الناس يجب أن يعلو بالحق، وأي خطأ وتقصير يجب أن يبرز ويحارب من أجل التصحيح.لا يعني انتقاد الأخطاء بأن هناك مناهضة للدولة أو كرهاً لها، بل على العكس. نحن في زمن بات واضحاً فيه من ينتقد حباً للبلد ورغبة في إصلاح شؤونه، وبين من يدعي أن ينتقد بينما هو يشتم البلد ويتطاول عليها وعلى قانونها.هذا الفارق يعيه المسؤولون الواعون، بالأخص من يؤمنون بأن مواقع المسؤولية التي يتبوأونها إنما هي لأجل خدمة الوطن والمواطن لا لاستنفاع شخصي أو مكاسب ذاتية.وعليه ما المشكلة حينما ينتقد المواطن الأخطاء ويحاول أن يوصل صوته لأعلى مستوى؟! ما المشكلة أصلاً إن كان الانتقاد قاسياً طالما هو يهدف لصالح البلد؟!كثير من الناس لا يملكون صلاحية التغيير باليد، وليسوا هم في مواقع مسؤولية، ولديهم قناعة مبنية على شواهد بأن صوتهم لا يصل من خلال القنوات المفروض أن توصلها، بالتالي من حقهم الكلام، من حقهم التعبير عن رأيهم، ومن حقهم الأصيل أن يمارسوا النقد البناء.بالتالي لا تمنعوا الناس من إبداء آرائهم مهما كانت حدتها طالما هي في إطار حب الوطن واحترام قانونه، ويخطئ خطأ كبيراً من يظن بأنه يمكن اليوم فرض الأمور بالقوة على الناس، أو تكميم أفواههم أو وأد آرائهم.حتى تنصلح المجتمعات لابد وأن تشارك جميع الفئات في ذلك، والمواطن هو حجر الزاوية وهو المتأثر الأول بأي حراك ومتغيرات، بالتالي رأيه وصوته هو الأهم والأول في أي معادلة.لو كان أغلب المسؤولين يفكرون في المواطن ورأيه وما سيتأثر به، في أي حراك يقومون به، وفي أي مشروع يبدأونه، وفي أي خطوة يتخذونها، لكان وضع كثير من الأمور في البلد أفضل وأحسن وأصلح مما هو عليه الآن.