تثمين (الأشياء) فلسفة إنسانية عميقة لا يجيدها إلا الرومانسيون. والرومانسية عالم حقيقي خارج إدراكنا الواقعي لا يتمكن من الحلول فيه إلا الذين يعيشون إنسانيتهم بمقاسات واسعة تمكنهم من اختراق مظاهر الأشياء وقيمها المادية إلى جواهرها وكنوزها الداخلية.أن نتعلق بعطر ما لأنه يربطنا بحالة خاصة فتلك قدرة شفافة على استحضار أحاسيس اللحظات المميزة في حياتنا كأنها في ديمومتها لم تنتهِ... كأننا مانزال قيد المثول فيها. وأن نحتفظ بآثار الآخرين، من أهل أو أصدقاء أو أحبه، فذلك تقدير عال منا للأشخاص العابرين في طريقنا أو المستقرين في صحبتنا. رسائلهم الرقيقة.. قصصهم الطريفة... متعلقاتهم التي نسوها عندنا أو تركوها لنا لسبب أو لآخر.. نحن نقدر الآثار ليس لذاتها بل لما تتركه في أنفسنا من تفاعل خاص مع أصحابها. وحين نوثق بعض ذكرياتنا في صور فوتوغرافية، فإننا نقيم للزمن اعتباره و(نحبس) التفاصيل السعيدة في إطارات صغيرة تتسع لها أكفنا وأبصارنا المحدودة. نحن نعرف أن السعادة متحولة، فلا بأس أن نقتنص منها ما يمكننا منحه سمة الثبات لنلقي عليها نظرة الحنين والتأثر. وحين نحتفظ بهدايا معينة، فلأن للهدايا وجهين: الوجه الأول هو وجه المناسبة التي استحقت أن ننال فيها هدية، والوجه الثاني هو وجه من قدم لنا الهدية. وإذ تمتلك الهدايا قيمة مضاعفة فإنها تتحول إلى قطعة من عاطفتنا ماثلة أمامنا نخشى عليها من النسائم الرقيقة كما نخشى على مشاعرنا من الخدش. فكم مرة حافظنا على بعض الهدايا كي ندخرها لآخرين في مناسباتهم الطارئة.. وكم مرة بالغنا في الاعتناء بهدية معينة حتى تحولت إلى أيقونة نخشع في محراب رمزيتها. أما حين نتعلق بالأماكن فلأننا نقرأ فيها سيرنا، ومراحل حياتنا المختلفة وأنماط سلوكنا المتعدد. فكثيرا ما دل المكان على حالة مزاجية اعترتنا وقتاً ما، وكثيراً ما دل المكان على نماذج من شخصيات التقيناها في كنفه، وكثيراً ما دل المكان على ظروف اجتماعية أو نفسية عشنا تفاصيله في أرجائه. ولو كان للأماكن أن تبوح بأسرارها لما انتهت حكاياتها ولما انقضت عجائبها. هي أشياء صغيرة ليس بمقدرة الجميع الإحساس بها، ولا يمتلك كل البشر موهبة تثمينها وبعث الحياة فيها، ويفتقد الكثيرون ملكة التعايش معها والاستمتاع بعبقها. ليس كل البشر حالمين... وهذا أحد أسباب قصر عمر السعادة في قلوبهم.