المناورة لغة هي الخديعة وهي «كل عمل محسوب لإحباط خصم أو اكتساب ميزة بطريقة غير مباشرة أو مخادعة»، أما المناورة العسكرية فهي «عملية عسكرية بها فرق من الجيش يقاتل بعضها بعضاً على سبيل التدريب». العسكر يناورون في الحرب بعد أن يشتد عودهم ويكتسبوا من المهارات ما يعينهم على تحقيق النصر، والسياسيون يناورون في ساحتهم، ولكن بطريقتهم التي تعتمد على العقل والفطنة، تماماً مثلما يفعل لاعب الشطرنج الذي يقوم أحياناً بإعطاء المجال للخصم كي يكسب ليتقدم من دون أن ينتبه إلى أنه إنما بكسبه ذاك يترك القطع الأقوى مكشوفة فيسهل صيدها ويخسر من حيث لم يحتسب.العسكر يناورون بطريقتهم والسياسيون يناورون بطريقتهم، فكيف تناور الوفاق التي من الواضح أنها تسعى في هذه الفترة على وجه التحديد إلى كسب ما يحفظ ماء وجهها أمام الجمهور الذي وعدته بالنصر و»زهزهت له»، وكي لا تخرج من المولد وقد خسرته وخسرت فرص المشاركة في الاستحقاق النيابي والبلدي؟ بداية لا بد من القول إن من حق الوفاق أن تناور كي تكسب بعض أو حتى كل ما تريد أن تكسبه وتسعى إليه، فهذا حقها مثلما أنه حق لكل الجمعيات السياسية العاملة في الساحة المحلية، لكن وبسبب قلة خبرة الوفاقيين فإن الكثيرين يتوقعون فشل مناوراتهم وعدم تمكنهم من كسب أي ميزة من كل محاولاتهم، يستدلون بذلك على عدم تمكنهم من اقتناص اللحظة؛ لحظة ميثاق العمل الوطني التي كان بإمكانهم لو كانوا يجيدون فن العمل السياسي أن يرفعوا بها شأنهم ويتمكنوا من قيادة الساحة، فالجميع يتذكر كيف أن الوفاق ركزت على الأمور الصغيرة وراهنت عليها فخسرت كل الأمور ووجدت نفسها وجها لوجه مع الدولة، فأخذتها العزة بالإثم وقررت أن تواجه ما اعتبرته خصما رغم علمها بأن هذا «الخصم» يمتلك من القدرة والقوة ما يمكن أن يكسب بهما المواجهة من الجولة الأولى. ما لم تدركه الوفاق بعد ولم تدركه جمعيات سياسية أخرى أوهمت نفسها بالقدرة على المناورة أيضاً هو أن الدولة تتابع كل شيء وترى كل شيء، فهي كما المشرف من عل على ساحة يعتقد اللاعبون فيها أنها غافلة عنهم فيفعلون ما يحلو لهم أن يفعلوه. هذه المفارقة في وضع الساحة السياسية المحلية تكشف إلى أي حد أقحمت الوفاق نفسها في ساحة ليس لها فيها «مريال»، ولولا هذا لكانت قد عرفت أن كل مناوراتها مكشوفة وكل محاولاتها لا يمكن أن توصلها إلى أي مكسب يعتد به، ولعرفت أنها لا يمكن أن تحقق أي «نصر لجمهورها» إلا من خلال تعاونها مع الدولة التي لن تبخل عليها بفرص تحقيق بعض المكاسب. من يتابع تحركات الوفاق هذه الأيام يرى بوضوح أنها تنفذ بعض المناورات التي اعتمدتها بغية تحقيق مكاسب معينة مثل الظفر بعدد أكبر من المقاعد في مجلس النواب وتوزير من تريد توزيره أو إفشال الانتخابات بدفع «جمهورها» إلى مقاطعتها معتقدة بأنها بهذا سوف تحرج الدولة. مناورات فاشلة تعبر عن قلة خبرة وتجربة وعن عدم القدرة على اقتناص اللحظة. اليوم يعرف الجميع أن الدولة ترحب بمشاركة كل الجمعيات السياسية ومنها الوفاق، واليوم يعرف الجميع بأن الولايات المتحدة تريد من الوفاق على وجه الخصوص أن تشارك في الانتخابات وأنها تفعل كل ما باستطاعتها كي يتحقق هذا، هذه المعطيات يبدو أنها جعلت الوفاق تعتقد أن من دونها لا يمكن أن تنجح الانتخابات أو تحقق الدولة ما يعلي من شأنها فقررت المناورة لعلها تكسب كل ما تريد أن تكسبه وتصير الرقم واحد. الوفاق تعتقد أن الدولة لا تعرف كيف تلعب الشطرنج!
Opinion
الوفاق.. نحن أهل الشطرنج!
26 أغسطس 2014